زِينون الإيلي فيلسوفٌ يونانِي من مدينة إيليا، وُلد حَوالي
سنة 489 ق.م. وقد كَان زِينون تلميذًا لبارمنيدس، واشتهر بالمُفارقات التي جَاء بها لدعْم موقف أسْتاذِه القائل بأن الوُجود واحد بشكل مُطلق،
وليسَت فيه أية كثرة أو تعَدد، كما أنّه سَاكن لا يتَغير عَلى نَحو مُطلق، وَليسَت
فِيه أية حَركَة. أما عَالم الإحسَاس فهُو وهْمي ومُزيف.
يقوم منهج زينون عَلى إفحَام خصُومه انْطلاقا مِن مسَلماتهم، حَيث يعمَل عَلى إظهَارِ النّتائج غير المَعقولة التي تُؤدّي إليها مُقدمَات المَذهَب المُعارض، فَطريقته إذَن جَدلية لأنه يجَادل خصُومَه انطلاقا من قضَاياهم ويجْبرهُم على الوُقوع فِي التّناقض. وهَكذا فزينون يشْبه أُسْتاذه في الإِسْتخدام الصّارم لمَبدأ عَدم التّناقض. فمَا هِي هَاته الحُجج التي قدّمها زينون؟
من الحُجج التي يقدمُها زينون
ضِدّ التعَدد قولُه، أنّه إذَا كَانت الأشْياء كَثيرة فَلابدّ أنّ عدَدها هُو هُو لاَ أكْثر ولاَ أقَل، إذن فهي مُتنَاهِية. وَلَكن : إذَا كَانت الأشيَاء كثيرة فإنّها لا نِهائية العَدد،
حيث سَيكُون بَين كُل شَيئين شَيء آخر، وهَكذا إلَى مَا لا نِهاية، فهَذا إذن تنَاقض.
يقُول فِي حُجة أخْرى: إذا كَان هنَاك تَعدّد وكَثرة فإن النّسْبة بين وزن قنطَار مْن القمْح وَوزْن حبّة مِنه يجِب أنْ تنعَكس فِي الفَرق بَين الصّوت الصّادر عَن وُقوع قِنطَار وعَن وقوع حَبة : فإمّا أن للحبّة صَوتا ولكنّنا لا نسمَعه، وإمّا أن صَوت القنطَار غيرُ حَقيقي لكننا نسْمعه، ولا هذَا ولا ذاكَ بمَقبول.
وحُججُه عَلى بُطلان الحَركة أربعةٌ وهِي : أخيل والسّلحْفاة، السّهم الطائر، الملعَب،
الصُّفوف المتحرّكة.
تُقول الحُجّة الأولَى أنّه لا يمْكن لأَخيل (بَطل مشْهور بسُرعَته) أنْ يلحَق بالسلَحفاة لَو سَمح
لَها بالتقدّم عَليه قَليلا - مِن بَاب الرّوح الرّياضِية – حَيث أنهُ عندَما يَصل
إلى نُقطة انطِلاق السّلحفاة تكُون قَد بلَغت نُقطة أخْرى، وعِندما يبْلغ النّقطة
الجَديدة تَكونُ قد بلغَت نقْطة أخْرَى وكَي يصِل إلَى هذِه النّقطة تكُون هْي قد
وَصَلت نُقطة جَديدة... وهَكذا إلَى مَالانِهاية، فالمَسَافة
بينهُما تقِل لكنّها لا تُجتَاز كلية وَهَكذا لنْ يلحَق أخِيل بالسّلحفاة أبدًا.
أما حُجة الملعَب فمفَادها أنّه لا يمْكنُ
اجتياز المَلعب، لأَنه لا يمْكن اجْتياز عَدد لاَمُتناه
مْن النقَط في زمَان مُتناه، فلابدّ أن تجْتاز نصْف المَسافة قبل إجْتياز المسَافة كُلها، وكَذلك لابد مْن اجتِياز نصْف نصْف المسَافة أوّلا، وهكَذا إلى مَا لاَنهَاية لهُ، لأنّ المَسافة
تنقسِم إلى مَا لا نِهاية لَه، وهَذا غير مَقبول.
هذه بعْض حُجج زِينون
(حجة السهم، والصفوف المتحركة تقوم تقريبا على نفس المبدأ المعتمد في حجتي
أخيل والسلحفاة والملعب لذلك تجاوزتهما) والخُلاصة التي يخرُج بهَا
زِينون هِي أنّه لمّا كانت الحَركة والكَثرة تحْتويَان
عَلى تناقضَات فإن الكَثرة والحَركة غَير حَقيقيتَين، وَبِالتّالي فَلا يوجَد سِوى
وُجُود واحِد لاَ كَثرة فِيه وخَال مِن كُل حَركة وتَغير كَما قال بارْمِنيدس.
هَل يَجِب أنْ نأْخذ زِينُون
عَلى مَحمل الجدّ؟ هَل يقصُد زِينون أننَا عِندما نُحرك أيْدِينا فَهي لَا تتحَرك أصْلا؟ لَو قدمت هذه الحُجج لأحَد الأشْخاص فِي عَصْرنا
هَذا سيَعتقد أنّك تمْزحُ مَعه أو تسْتهْزئ مِنه، وهذا المَوقف ليسَ جَديدا حَيث يُحكى
أنّ دُيوجِين الكلْبي بَدأ بالمَشي عِند
سَمَاع حُجة زينُون ضِد الحَركة ليثبِت أنّها بَاطِلة.
لَكن لاَ يبْدو أنّ زِينُون ينْكر وُجُود الحَركة
أوِ الكَثرة، فهُو يَعلم أنّ السّهم سيَنتهي إلَى هَدفه وَأنّ أخِيل سَيسْبق السّلحْفاة
، لَكن مَا أرَاد إثبَاته هُو أنّ هَاته الحَركَة لا يمْكن
اسْتيعَابها بِواسِطة العَقل، وعَليه فرَغم أنّ عَالم الحِس له صِفات جَوهَرية كَالكَثرة
وَالحَركَة فَإن هَذا العَالم الخَارِجي ليسَ هُو الوُجُود الحَق، فَالوُجُود الذي
نُدرِكُه بحَواسّنا مُجرد مَظهر، وَهم ، قِناع زَائف يُخفي الوُجُود الحَقيقي. لِذلك
يَقولُ هيجل " فالحَرَكة مِن مُعطيات اليَقين
الحِسي، مِثلما أنّ للفيلة وُجودًا. ولِهذَا المَعنى، لم يخطر قَط ببَال زِينُون أنْ ينفِي الحَركَة. وَإنّما المَسْألة بالأَحْرى مَسألة
حَقيقتها، فالحَركة غَيرُ حَقيقيّة لأنّها تَناقض".
خِتامًا فرَغم مَا قَد يَبدو مِن طَابع "اللعِب
الجِدي"، كَما يَقول أفلاطُون، لهَذه الحُجج، إلّا أنّها شَغلت بَال
الكَثيرِين مِن اليُونَان وَمِن غيرِهم للرّد عَليهَا، والنّتيجة كَانت زِيادة الوَعْي
بجَوَانب مفَاهيم: الزّمَان، المَكَان، والمُتصِل وغير المُتصل، النّهائي واللانِهائي،
والعَدد والحَرَكة.
أترك تعليقا