طاليس thales


تشير المصادر القديمة إلى أن طاليس هو أول فلاسفة اليونان، وأحد الحكماء السبعة. اشتهر ببراعته في العلوم والرياضيات، وبأصالته في الكثير من المجالات. لا نملك الكثير من المعلومات عن حياته وحتى ما نعرفه مشكوك فيه، لا أثر لكتاباته والمرجح أنه لم يكتب شيئا. أول الإشارات إلى طاليس جاءت على لسان المؤرخ هيرودوت ( بين 484 و430 أو420 ق.م)، ثم إشارات أخرى من أرسطو وزملائه ثيوفراسطوس وأوديموس (القرن الرابع ق.م). وكما أشرنا فحتى هذه المعطيات التي قدمها هؤلاء تعتمد على مصداقية المصادر التي استقوا منها معلوماتهم ومع ذلك نميل إلى التصديق بها نظرا لتناقل أفكار طاليس من طرف معاصريه خصوصا أناكسمندر وأناكسمنس، وكذلك لتأكد الدراسات الفلكية الحديثة من تاريخ الكسوف الذي تنبأ به طاليس وقد كان في نفس الفترة التي اشتهر فيها هذا الأخير، حيث وقع هذا الكسوف يوم 28 ماي/أيار للعام 585 ق.م. ومن الإنجازات الأخرى التي نسبت له أنه تمكن من قياس ارتفاع أحد أهرامات مصر من خلال الاعتماد على النسبة بين ارتفاع الهرم وظله، كذلك كونه أول من فسر فيضانات النيل السنوية، من خلال قوله أن الرياح الموسمية تعترض جريان النهر، مبتعدًا عن التفسير الديني القائل بأن السبب هو غضب الآلهة، وهكذا نلاحظ أنه قد اهتم مثله مثل جميع الفلاسفة الذين ألفوا من بعده المدرسة الأيونية، بمظاهر شتى من الكون ووجد لها حلا بالإستغناء عن الآلهة وبالاعتماد على العقل وحده، وفي هذا كانت أهم إنجازاته اعتماد منهج جديد أساسه العقل، وميراث هذا المنهج، لا المذهب بحد ذاته، هو الثمين. لكن تجب الإشارة إلى أن لحضارات الشرق فضلا على طاليس حيث يرى البعض أنه استقى معارفه عن الفلك والهندسة من زياراته لمصر... (للمزيد حول هذا الموضوع راجع مقال "أصل الفلسفة بين المعجزة اليونانية والأصول الشرقية").
وتنسب إلى طاليس الكثير من الأكتشافات في الهندسة، أولها المبرهنة التي تحمل إسمه (مبرهنة طاليس)، تساوي الزاوتين المتقابلتين في مستقيمين متقاطعين، تساوي زاوتي القاعدة في المثلث متساوي الساقين ... وقد اعتمد بعضها في أمور عملية، كاعتماده على مبرهنة طاليس في قياس ارتفاع الهرم، لكن ما تتميز به أساس هو كونيتها، فهي صالحة في كل زمان ومكان.


فلسفة طاليس الطبيعية
المصدر الأساسي لمعرفتنا بفلسفة طاليس الطبيعية هو نص لأرسطو جاء فيه: " طاليس، مؤسس هذا الضرب من الفلسفة [أي الفلسفة الطبيعية]، يقول بأن المبدأ هو الماء، وهذا هو السبب في قوله إن الأرض تطفو فوق الماء، ولا ريب في أن الذي أدى به إلى هذا الإعتقاد ملاحظة أن جميع الأشياء تتغذى من الرطوبة، وأن الحار نفسه ينشأ عنها ويحيا بها (لأن ما تنشأ عنه الأشياء هو مبدؤها). وهذه الملاحظة هي التي جعلته يأخذ بهذا التصور، وكذلك ملاحظة أخرى هي أن بذور جميع الأشياء رطبة بالطبع، ويذهب البعض إلى أن قدماء الكونيين الذين وجدوا قبل زماننا بعهد طويل كانوا أول من فكروا في الآلهة وتصوروا الطبيعة على هذا النحو، فهم يجعلون أقيانوس وتيتيس أصلين للكون، ويجعلون الآلهة تحلف بالماء، الذي يسميه الشعراء ستيكس" ('الميتافيزيقا'، ترجمة الأهواني، في كتابه "فجر الفلسفة اليونانية").

"إن دعوى طاليس القائلة إن الماء هو المطلق، أو على حد تعبير القدامى هو المبدأ، هذه الدعوى فلسفية، وبها ابتدأت الفلسفة، لأن الناس تعي أن الماهية، ما هو حقيقي، وما هو في ذاته ولذاته فقط، هو واحد".
- هيغل.

وما يقصده أرسطو باعتبار الماء مبدأ، هو أن الماء هو أصل الأشياء وجوهرها، أي العنصر الذي يستمر رغم التغيرات التي تأتي على الشيء، وكما سبقت الإشارة فالجديد لدى طاليس هو اعتماده على الملاحظة وتقديم الأسباب (التي أشار أليها ارسطو، يمكن أن نضيف إليها ملاحظة أن الماء يتمظهر في الطبيعة بعدة أشكال فتارة يكون سائلا، وتارة جامدا وأحيانا عبارة عن بخار فهو يتغير باستمرار، هذا بالإضافة إلى أنه متواجد في كل مكان وفي كل شيء فتراه ينزل من السماء، ويتفجر من بين الأحجار) التي جعلته يقول بأن الماء هو أصل الأشياء، كما تشير الفقرة الأخيرة من نص أرسطو إلى مركزية الماء في أساطير الشعراء، غير أن طاليس يختلف كليا عن الشعراء الذين يكتفون بسرد الأحداث ونسبتها للآلهة، فرغم احتمال تأثره بما كان سائدا من قصص أسطورية فهو يتميز باعتماده على العقل، في حين يكتفي هوميروس وهزيود مثلا بتقرير العلاقة بين الآلهة الأسطورية والتي كانت تفسر حركة الكون عندهما.

وينسب إلى طاليس أنه قال "كل شيء مملؤ بالآلهة"، والنص يحتمل عدة تأويلات، لذلك قد يكون المقصود هو أن كل الأشياء تشترك في المبدأ أو المادة الجوهرية (الماء)، وهي بهذا تشترك في الخلود الذي يميز الآلهة. وقد يعني ذلك أن كل الأشياء تشترك في الحياة.

ختاما نذكر أن أهم ما ميز فلسفة طاليس هو أنه اعتمد على الملاحظة، التحليل، التجريد، التعميم في صياغة أفكاره، ولذلك يعتبره البعض أول الفلاسفة.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

انت في اقدم موضوع

أترك تعليقا