لم يتجاوز عمر حنة
أرندت (1906-1975) خمسة وعشرين سنة عندَما حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة
هيلبرغ، وذلك بإنجاز رسالة تحت عنوان "مفهوم الحب عند القديس أوغسطين" حيث قدمت قراءة لفلسفة القديس في الحب من زاوية
وجودية وذلك تحت إشراف كارل ياسبرز، بعد أن تعذر عليها مواصلة الإشتغال مع هايدجر
الذي كان حينذاك الأستاذ الظاهرة في ألمانيا، ومن الجميل أن فيلسوفتنا (التي ترفض
لقب فيلسوفة) تشربت بالفكر الوجودي من كبار الفلاسفة الألمان: مارتن هايدغر،
كارل ياسبرز وقد كانت شغوفة بقراءة ما يقع بين يديها من كتابات الفيلسوف
الوجودي سيورين كيركارد والفيلسوف فريديريك نيتشَه.
وقد اضطرت الفيلسوفة
الشابة إلى اللجوء إلى فرنسا سنة 1933 فرارا من تصاعد المد النازي المعادي لليهود،
وبعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1941، حيث حصلت على الجنسية الأمريكية
بعد عشر سنوات من الإقامة بها.
ولدت أرندت سنة 1906 في مدينة ليدن قرب هانوفر، من أب وأم يهوديين أبديَا معًا تعاطفا مع الحزب الإشتراكي الألماني. وقد كان التمسك بالهوية اليهودية من الثوابت الفكرية والروحية لأسرتها وعائلتها، وقد حملها وعيها بهذه الهوية إلى إعادة التفكير في دراستها الثيولوجية مبكرا، متسائلة عن مشروعية وإمكانية ممارسة الثيولوجيا عندما يكون المرء يهوديا.
تعترف أرندت بأنها
لم تجد جوابا شافيا لسؤالها، وأنها قررت بعد ذلك أن يصغي لكل ما هو مفيد في
الفلسفة، فكان اللقاء الحاسم بفكر هيادجر منذ النصف الأول من عشرينات القرن
الصارم، وهو لقاء اتخذ طابعا إشكاليا، نظرا لامتداداته العاطفية التي نسجت علاقة
حب بين الفيلسوفين من جهة، وللحضور الفريد الذي سجله فكر هايدغر ، قاموسا وإشكالات
وموقفا، في متن ارندت. وقد توقفت علاقتهما قبل ثلاثة سنوات قبل مغادرتها
لألمانيا. إذ ستتخذ حياة ارندت
منحى جديدا عندما تأخذ في التماهي مع مشاكل شعبها، وذلك هو ما سيدفعا للكتابة في
الراهن السياسي من خلال تناول مواضيع مهمة في شأن الشمولية والشرط الإنساني والكذب
السياسي والعنف. وهنا يمكن أن نلاحظ كيف عرجت المرأة على الإهتمام بالسياسة والحياة
النشيطة، وكيف أنها ضخت عدة نظريات مستوحاة من العلوم السياسية، لذلك كانت تصف
نفسها بالمنظرة السياسية وترفض لقب فيلسوفة كما سبقت الإشارة، فهي، حسب رأيها،
تشتغل في حقل العلوم الإنسانية وتاريخ الأفكار وليس في مجال الفلسفة.
هكذا نجد أن مسار
حياتها قد ساهم في تشكيل فكرها ورؤيتها للوجود، فكان تأليفها في السياسة تعبيرا عن
مراحل حياة عانت من السياسة، وقد ذهبت بعيدا جدًا في تحليل سهم السياسة وخطورتها
في توجيه الحياة الإنسانية.
أترك تعليقا