الاستاذ: لزاهيد مصطفى
إذا كان الشخص نتاج
ثقافي، يخترق تاريخ الإنسانية عموما وتاريخ الفلسفة على الخصوص، ولأنه كذلك فقد
اعتبرت التربية العدة التي من خلالها يتجذر ويتطور مفهوم الشخص. علما أن الشخص هو
تعبير ليس فقط عن انتماء للجماعة، ولكن عن تفرد خاص، ليس لأنه ضد الجماعة، بل لأنه
يريد أن يكون متميزا داخلها، فبقدر ما أن الشخص نتيجة للتنشئة الإجتماعية،
بقدر ما يرسم مساره
الفردي والنفسي الخاص. إنه يصارع لا من أجل أن يوجد فقط، بل من أجل أن يفرض ذاته
وسط عالم الآخرين، ومن
أجل أن يتحرر من كل السلط بما فيها سلطة فكره، فإذا كان مبدأ الهوية الشخصية من
الناحية الاصطلاحية يقتضي أن يحقق الشخص نوع من التطابق الذي قد يفضي به إلى الإنغلاق على العالم لكي يحافظ على هويته لكن ضرورة
"العيش بالمعية" تفرض نوع من الخروج من التمركز حول الذات لمشاركة
الآخرين تجاربهم والانخراط معهم في بناء العالم، وفي هذا البناء يبني الشخص شخصيته
ويكتسب هويته من تفرده عن باقي الأشخاص وشخصياتهم، فلا أحد ينكر أن الشخص يتعرض في
حياته لسلسلة من التحولات، تسهم في إحداث تغيرات جذرية على مستوى جسمه، وفكره، لكن
خلف ما يتعرض لتبدل وتحول هناك عنصر ما يبقى دائما هو هو،
أطلق عليه اسم" الهوية" ذلك أن ثمة عناصر لا يمكن أن يطالها التعديل وهي
التي تعطي للشخص ذاتيه وخصوصيته.
على هذا الأساس نطرح
الإشكال الآتي : ما هوية الشخص؟ ومن أين يستمد الشخص هويته هل من كونه جوهرا
عاقلا ومفكرا وواعيا ومستقلا وأخلاقيا وحقوقيا أم يستمدها من انتمائه
الثقافي والسياسي و الإثني ومن مكانته ووظيفته
الاجتماعية؟ بعبارة أخرى ما هو هذا الشيء الذي يظل ثابتا
في الشخص والذي يستمد منه هويته مهما تغير دوره وانتمائه ووظيفته الاجتماعية؟ هل
هوية الشخص قائمة على المطابقة والتمركز حول الذات أم هويته مستمدة من
انفتاحه الدائم على العالم والآخرين؟.هل
يكفي القول بمعيار الفكر والوعي والشعور والقدرة على التذكر كأساس للهوية الشخصية
أم أن للإرادة دور في تحديد هذه الهوية الشخصية؟
التصور
الديكارتي: هوية الشخص كامنة في كونه جوهر مفكر
نظرا
لتأثير الذي مارسته الثورة الكوبرينيكة على فكر رونيه
ديكارت فهذا الأخير وجد نفسه في حالة من عدم اليقين والحيطة والحذر من التصورات
الفلسفية الأرسطية، لكنه رغم محاولاته لقلب تاريخ
الفلسفة وإيجاد أساس متين للحقيقة لا يطاله الشك فإن هذا المسعى قاده للارتماء في
أحضان الإرث الأرسطي حينما ربط ديكارت هوية الشخص بمدى مطابقته لذاته وبقدرته على
التفكير والوعي في استقلالية عن العالم وعن باقي الذوات، وبالتالي فالشخص لا يصير
شخصا ولا يحافظ على ثباثه وهويته في الزمان
والمكان إلا إذا كان قادرا على استخدام فكره وعقله استخداما منهجيا وفي
استقلالية عن العالم وباقي الأغيار، فمادام الجسم ليس سوى ألة حسب ديكارت فليس
بإمكانه أن يكون أساسا لهوية الشخص رغم كون هذا الجسم مرتبط بالنفس عند ديكارت
والتي يعتبرها ديكارت إلى جانب الجسم جوهرين متمايزين عن بعضهما، لكن الجسم يظل
عبارة شيء كباقي الأشياء الموجودة في العالم في حين هوية الإنسان وجوهره هو كونه
"أنا مفكرة" وجوهرا هو النفس متميز بالتفكير والقدرة على الشك
والإثبات والنفي وفي هذا الصدد يقول ديكارت"أنا أفكر،أنا موجود".
الموقف الفلسفي التجريبي:تحليل نص جون لوك من خلال الكتاب المدرسي في رحاب
الفلسفة ص 15
التعريف
بصاحب النص:
جون
لوك
John Locke ولد سنة 1632-1704
وهو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي.
أهم أعماله:
ü محاولة
في فهم الإنسان
ü الحكومة
المدنية
البنية
المفاهيمية للنص:
ü الشخص:
كائن مفكر،عاقل قادر على
التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها.
ü الشعور:
هو القدرة على الإحساس و تعقل العالم الخارجي
ü الهوية
الشخصية : وتحيل حسب لوك على ما يجعل الكائن هوهو عبر الزمان والمكان عبر الحاضر والماضي.
يتضح
من خلال البنية المفاهيمية للنص أن جون لوك يربط بشكل
وثيق بين هوية الشخص والقدرة على الشعور بالعالم الخارجي.
إشكال
النص:
من
أين يستمد الشخص هويته هل من كونه ذاتا واعية ومفكرة ومتأملة أم من كونها ذات
لديها القدرة على الإحساس والشعور بذاتها وبالعالم المحيط بها؟
الأفكار
الأساسية للنص:
ينطلق
جون لوك من تعريف مفهوم الشخص بكونه ذاتا مفكرة وعاقلة ومتأملة وقادرة على تعقل
العالم باستقلال عن باقي الذوات، لكن هذا الفكر المميز للشخص يظل مقترنا وممتلئا
بمعطيات الشعور(القدرة على الإحساس).
ينتقل جون لوك ليعطي
مثالا يبين من خلاله الإرتباط الوثيق بين أحاسيس الشخص
وبين معارفه، فلا يمكن للشخص أن يعرف حسب جون لوك إلا ما يمكنه أن يحس به.
ينتهي
جون لوك إلى التأكيد على أن ما يكون الهوية الشخصية للشخص هو قدرته على
الإحساس والشعور والتذكر لتجاربه وإحساساته السابقة فليس هناك جوهر مميز لهذه
الذات كل ما هناك هو قدرة الذات على الإحساس وتذكر تجاربها عبر الزمكان.
الأطروحة:
في
كتابه "محاولة في الفهم الإنساني" تعرض جون لوك لمسألة الهوية الشخصية
حيث أكد على أن ما يحدد هوية الشخص هو قدرته على الشعور والإحساس بالعالم الخارجي،
فليس هناك هوية ثابتة لدى الشخص ومعطاة بشكل قبلي بل الهوية هي ثمرة للانطباعات
وأحاسيس وتجارب الذات التي لا يمكنها أن تعرف أي شيء عن نفسها بمعزل عن قدرتها على
الإحساس، وبالتالي فما هو ثابث في الشخص هو تميزه بكونه
قادرا على تذكر ما كان عليه في الماضي والحاضر، إذ هذه الذات تولد صفحة بيضاء وكل
ما تعرفه لاحقا هو ما خطته التجربة والشعور.وعلى على
هذا الأساس فالذاكرة ليست معطى فطريا بل هي بمثابة وعاء يملئ ويشكّل بتجارب
الشخص وأحاسيسه وأفكاره وتمتلاثه وتصوراته، وكل ما ظل
هذا الشخص قادرا على تذكر هذه التجارب والأحاسيس كلما حافظ على هويته وثباثه ووحدته في الزمان والمكان.
تحليل نص شوبنهاور
من خلال الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة ص 15
الأفكار
الأساسية للنص(عناصر الأطروحة).
ينطلق شوبنهاور في بداية النص
من نفي أن يكون الجسم هو ما يحدد هوية الشخص لأنه مجرد عرض زائل ومتغير في حين أن
هوية الشخص عند شوبنهاور مرتبطة بما هو ثابث في هذا الشخص مهما تغيرت أعراضه(الجسم/السن/الشكل/اللون..).
ينتقل
شوبنهاور ليحدد مميزات الهوية ويحددها بما يحافظ للشخص
على ثباته كما يوجه نقدا جذريا لفلسفات الوعي التي أكدت على أن هوية الشخص مرتبطة
بقدرته على التفكير (الفلسفة الديكارتية)أو بقدرته على
التذكر والشعور بالتجارب الماضية (الفلسفة التجريبية مع لوك)وكلها محددات معرضة
للتلف والتحول ويطرح شوبنهاور عوض ذلك مفهوم الإرادة
باعتباره هو ما يحدد هوية الشخص والوجود.
ينتهي
شوبنهاور ليوضح أن فعل المعرفة لا يمكن أن يكون هو أساس
هوية الشخص لأنه مجرد وظيفية من وظائف الدماغ التي قد تصاب بالتلف فهوية الشخص
ليست قدرة على المعرفة أو الشعور والتذكر بل هي إحساس ترانسندنتالي
يتعالى على التجربة والزمان المكان يدفع بالإنسان إلى أن يرغب ويريد أو لا يريد.
الأطروحة:
يدافع
شوبنهاور في نصه على أن أساس هوية الشخص لا يمكن أن
يكون هو الجسم أو الجسد لأنه عرض متغير، كما ينفي أن تكون الذاكرة أو الشعور لأنها
قدرات معرضة للتلف، كما ينفي أن تكون القدرة على إنتاج المعرفة هي ما يحدد هوية
الشخص بل هوية الشخص عند شوبنهاور مستمدة من الإرادة
باعتبارها ما يحدد هوية الشخص، والإرادة عند شوبنهاور
لا تعني الفعل الواعي المسترشد بالعقل، بل هي إرادة الحياة التي تعبر عن نفسها
كاندفاع أعمى لا عاقل نحو الحياة، فالإرادة عند شوبنهاور
هي أن نريد وأن نرغب ومن ثم فالإرادة هي الرغبات والاندفاعات والميولات
من كل نوع، وهي تمتد فيما وراء الحياة الواعية لتشمل أيضا الحياة اللاواعية والطبيعة اللاعضوية
كذلك، والإرادة عند شوبنهاور ليست فردية بل هي تتعالى
على العقل الفردي لتشمل السواد الأعظم لأنها ليست مرتبطة بالضرورة بذات عاقلة
وواعية، بل هي ما يتعالى على المعرفة والوعي وفي هذا الصدد يقول شوبنهاور في كتابه العالم إرادة وتمثل: "فالإرادة تتجلى
في قوى الطبيعة اللاعضوية كما هو الحال -على سبيل
المثال- في قوة الجاذبية التي تجذب الحديد إلى المغناطيس والأرض إلى الشمس وتتجلى
في الطبيعة العضوية في كافة درجاتها بدءا من النبات حتى الإنسان الذي تقترن
فيه الإرادة بالمعرفة والوعي، غير أن هذا لا يعني أن الإرادة في حالة الإنسان تصبح
عاقلة، لأن عقل السواد الأعظم من الناس يكون تابعا لإرادته وفي خدمتها، فنحن لا
نريد شيئا لأننا وجدنا أسبابا له، وإنما نجد أسبابا له لأننا نريده، وبوجه عام لم
يتمكن أحد أن يقنع أحدا بالمنطق، أو بالعقل أو بالتصورات المجردة، فلكي يقنعه يجب
أن يخاطب إرادته". ولا يستطيع التخلص من قهرية الإرادة حسب شوبنهاور إلا الفنان المبدع الذي يتحرر من الإرادة وقتيا
أثناء رؤيته الإبداعية التي تصبح معرفة خالصة نزيهة ومتحررة من عبودية الإرادة،
والزاهد القديس الذي يتحرر من عبودية الإرادة بشكل دائم من خلال وأد رغباته، إن
الإرادة عند شوبنهاور تعبر عن نفسها بوصفها اندفاع أعمى
لا عاقل نحو الحياة، من خلال كفاح أبدي وصراع لا يهدأ من أجل حفظ حياة الفرد وبقاء
النوع، وهو كفاح وصراع لا يتوقف إلا بالموت ولكن الموت لا ينهي معاناة وشقاء
الإنسان(أو البشر) لأنه ينهي فحسب الإرادة كما تتجلى في الفرد ولكن الإرادة تواصل
وجودها في النوع البشري ومن هنا فوحدها الإرادة ما يشكل هوية الشخص سواء كان فردا
أو جماعة.
المحور الثالث : قيمة الشخص
المحور الثالث : قيمة الشخص
أترك تعليقا