‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتب. إظهار كافة الرسائل

مدخل إلى الميتافيزيقا لـ مارتن هايدغر



يتفق الباحثون في أعمال مارتن هايدغر على أن هناك كتابين أساسيين يشكلان منظومته الفلسفية ويعبران عنها وهما: "الكينونة والزمان" و "مدخل إلى الميتافيزيقا". وإذا كان الأول هو الكتاب التأسيسي بالنسبة لفيلسوف الوجود الألماني، فالثاني هو الامتداد الطبيعي للكتاب السالف الذكر لأنه يجيب على أهم القضايا التي تصدى لها هايدغر وهي التي تختصر بالسؤال عن ماهية الوجود.

لكن قبل الدخول إلى متن النص من المفيد أن نذكر ما يتضمنه كتاب "مدخل إلى الميتافيزيقا" من موضوعات وأفكار. حيث يضم هذا الكتاب أربعة فصول هي:
- السؤال الأساسي للميتافيزيقا.
- بحث في الجانب النحوي والإيتيمولوجي لكلمة الوجود.
- سؤال ماهية الوجود وجوهره.

تحديد الوجود وتقييده ويتضمن هذا الفصل أربعة مباحث أساسية هي:
- الوجود والصيرورة
- الوجود والظهور
- الوجود والتفكير
- الوجود والواجب.

إن الأهمية الأساسية للموضوعات المذكورة، أنها تشكل محور النقاش المستدام في الغرب حول نظرية الوجود عند هايدغر. كذلك يمكن اعتبار نقل النص الى العربية محاولة لإشراك الباحثين والمفكرين العرب في العالم الإسلامي في مناقشة أفكار هايدغر على صعوبة ترجمتها بسبب الخصوصية التي تمتاز بها لغة هايدغر الفلسفية.


من هنا فإن تناولنا لهذا الكتاب من خلال ترجمته إلى العربية يندرج في سياق اهتمامنا بما يقدمه هايدغر من أعمال غير مسبوقة في ميدان الميتافيزيقا والسؤال عن الوجود. وإذن تعتبر ترجمة "مدخل إلى الميتافيزيقا"، من الترجمات المميزة التي عمل مترجمها الدكتور عماد نبيل على معايشة النص وفهمه قبل تقديمه إلى القراء العرب.

إن ما يدعو القارئ المتخصص إلى هذا الانطباع هو العمل الدؤوب الذي استمر اكثر من عشر سنوات من جانب المترجم في قراءة نصوص هايدغر باللغة الألمانية. فقد كان هدفه الرئيسي – كما يقول – البقاء بقدر الإمكان قريبا من روح النص الهايدغري ومضمونه. وكذلك الحرص على اختيار المفردات والعبارات والمصطلحات العربية التي تؤدي وظيفتها الدقيقة في التعبير عن المصطلح الألماني. وفي المقابل فقد بذل أقصى جهوده لكي يتجنب المس بخصوصيات اللغة العربية، بحيث لا يفرض عليها أي تعبير أو مصطلح لا يناسب منطقها. ولهذا السبب قام المترجم بتقديم المصطلحات في لغتها الأصلية، وسعى إلى ألا تكون ترجمة "مدخل إلى الميتافيزيقا" مجرد نقل كسول ورتيب للنص الهايدغري كما يقول.


مدخل إلى الميتافيزيقا مارتن هايدغر


هايدغر ومعنى الميتافيزيقا

قبل أن نصل إلى قراءة النص المترجم عن الألمانية علينا أن نمر بمقدمة طويلة جدا سطرها المترجم نفسه. وهذه المقدمة هي بمثابة كتاب مستقل تناول فيه أعمال هايدغر ونظرياته الوجودية وركز بشكل خاص على معنى وماهية الميتافيزيقا.

حملت المقدمة عنوان: "السؤال الأساسي للميتافيزيقا: منسى الوجود – السؤال المتيّه". في هذا القسم من التقديم المسهب يشرح الكاتب – المترجم غاية هايدغر من وراء كتابه "مدخل إلى الميتافيزيقا".

ويذكر أن السؤال الأساسي الذي لا مفر منه في فلسفة هايدغر يمكن صياغته على النحو التالي: لماذا كان هناك وجود الموجودات بدلا من العدم؟
إن الكثير من الناس لم يواجهوا هذا السؤال مطلقا، أو أنهم لم يفكروا في طرحه على أنفسهم، أي أنهم لم يسعوا إلى إحداثه أو إثارته، أو الشعور بحتميته وعدم الفرار منه"..

في تعليله لهذا السؤال وأبعاده المعرفية في فلسفة الوجود، يقول هايدغر: إن أهمية السؤال هذا تعود إلى الأسباب الثلاثة الأساسية اللاحقة:
إن هذا السؤال هو الأول في مكانته الفلسفية بين الأسئلة الأخرى.
ولأنه سؤال عميق جدا يتجاوز بعمقه معظم الأسئلة الفلسفية الأخرى.
إن هذا السؤال أساسي جدا للشروع بعملية التفلسف. وبإيجاز هو السؤال الذي يحتل قمة الهرم وهو الأكثر عمقا والأكثر أصالة.

لهذه الاعتبارات يبقى سؤال "لماذا كان وجود الموجودات بدلا من العدم؟" سؤالا غير قابل للمقارنة بالمرة مع أي سؤال آخر. إذ أنه يصطدم بعملية البحث بمجملها بوساطة طبيعة ونوعية "اللماذا" التي تخصه وحده. ولأول وهلة فإن سؤال لماذا "اللماذا" يبدو كأنه تكرار عابث وطائش بشكل لا متناه للصيغة الاستفهامية ذاتها، وكأنه إطالة تفكير فارغة ولا مبررة في الكلمات نفسها مرة تلو المرة. نعم، هكذا يبدو هذا السؤال، بشكل لا يدع مجالاً للشك يجيب هايدغر.

يقول الكاتب في مناقشته للجواب المحتمل: "إن هذا السؤال هو بالنسبة لهايدغر ليس سؤالا عاديا. فهو السؤال الأول من حيث المكانة الفلسفية بين الأسئلة الأخرى، وذلك على الرغم من أن تلك الأولوية ينبغي ألا تؤخذ بالمعنى الزماني". عن هذا المضمار يقول هايدغر في "المدخل إلى الميتافيزيقا": إن الناس عادة ما يطرحون على أنفسهم العديد من الأسئلة ذات المضامين الجيدة في سياق عبورهم التاريخي عن الزمن. إنهم يحاولون بجدية أن يتفحصوا العديد من الأشياء الجيدة قبل أن يشرعوا في طرح السؤال اللاحق: "لماذا كان وجود الموجودات بدلا من العدم؟".


مضمون الابتكار الهايدغري

إذا كان مدمل تاريخ الفكر والوجود الإنساني، تبعا لرأي هايدغر، قد تمت الهيمنة عليه بخاصية فهم الانسان "لسؤال الوجود" فإن ضياع الفكر الحديث وانحرافه عن مساره الحقيقي يتجذر أصلا في مسألة "نسيان الوجود". وفي كتاب "مدخل إلى الميتافيزيقا" يقوم هايجغر، بناء على ذلك، بالبحث والاستقصاء في كل من معنى "الوجود" وتاريخ فهم الإنسان له من أجل أن يصل إلى تشخيص دقيق لأسباب هذه المشكلة التي تعتبر واحدة من أهم لحظات المنعطفات الكبرى في تاريخ الفكر الغربي.

فلقد أدرك هايدغر بحدسه المتميّز وبشكل مبكر أن هذا التاريخ بمجمله، قد تم تدوين وثيقته الفكرية من خلال إبداعات "الفلسفة" و" الشعر". وعلاوة على كل ذلك، في بواطن وأسرار اللغة التي تقف وراء صناعة مجمل تاريخ الإبداع الإنساني في هذين المجالين، ويقول هايدغر بهذا الصدد: "إن" الكلمات واللغة ليست أغطية وأغلفة لهؤلاء الذين يكتبون ويتكلمون، بل من خلال وسطها وسياقها، تنبثق وتأتي الأشياء أولا إلى "الوجود". ويضيف في موضع آخر من هذا الكتاب إن العلاقة المتهافتة والمشوهة مع "الوجود" تمثل السبب الحقيقي والمباشر الذي يكمن وراء سوء العلاقة العام الذي يربطنا الآن مع اللغة. وهذا يوضح لنا بجلاء لماذا تحتل موضوعة مثل موضوعة أصل الكلمات وتقلباتها مساحة واسعة من هذا الكتاب. كما أنها، علاوة على ذلك، تشكل جزءا كبيرا من أسلوب الكتابة الفريد والمميز عند هايدغر وصعوبة ترجمته إلى اللغات الأخرى، ومنها اللغة العربية.


مفهوم الوجود

إن الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب – حسب مقدمة المترجم – هو، مفهوم الوجود Sein وعلاقته مع كل من الموجودات والوجود هناك-في-العالم Dasein على وجه الخصوص. والكلمة العربية " الوجود" تبدو مساويا أو مرادفا مرضيا لكلمة Sein  في هذا النص. ذلك لأن الكلمة الألمانية هي صيغة مصدر، بينما كلمة "الوجود" في العربية هي إسم، وهذا من شأنه بالطبع أن يخلق الكثير من التعقيدات والمشكلات في ما يتعلق بالتحليل الهايدغري النحوي والإيتيمولوجي. أما في ما يتعلق بكلمة Seined، فإنها بلا شك صياغة فلسفية هايدغرية صرفة تكاد تكون غريبة تماما عن لغة الحياة الألمانية اليومية وأي لغة أخرى. وبخصوص وجهة النظر المتعلقة في الأسلوب والمعنى الذي يروم هايدغر طرحه في هذا الكتاب، فإنه يبدو أن من المهم ترجمة كلمة Seined  إلى كلمة "طوال" أو " في كل مكان" في اللغة العربية.

أما بخصوص كلمة  Dasein فإنها تثير إشكالية من نوع خاص. ففي اللغة الألمانية اليومية الدارجة تعني تلك الكلمة "الوجود"، لكن هايدغر يقسم تلك الكلمة إلى مقطعين: المقطع الأول Da  وتعني هناك، والمقطع الثاني  Sein وتعني الوجود، ثم بعد ذلك يعرف المقطعين كلمة واحدة وهي "الوجود-هناك". وقد ترجمها عماد نبيل في هذا الكتاب بـ " الوجود-هناك-في-العالم".

ولابد من القول إن معظم ترجمات هايدغر للكثير من النصوص الإغريقية الفلسفية إلى اللغة الألمانية التي ترد في كتاب "مدخل إلى الميتافيزيقا" هي في الواقع تختلف بشكل جذري عن ترجمات اللغات الأخرى للنصوص ذاتها. إن ما يميز ترجمة هايدغر لتلك النصوص أنها تقوم في الأساس على التحقق والاستقصاء الدقيق في أسس الكلمات والمصطلحات والعبارات الإغريقية، وفي المساحة الواسعة لإيحاءاتها ودلالاتها. ولكن، وبما أن تأويلات هايدغر للكلمات والأفكار الإغريقية تحتلف تماما عن التأويلات التقليدية المتداولة، فإنه يصبح من الطبيعي أن تختلف ترجماته عن الترجمات التقليدية. بيد أن ما عمل عليه المترجم هنا ليس نقل النصوص الأصلية الإغريقية وترجمتها بل نقل ترجمات هايدغر الألمانية لهذه النصوص.

ربما يكون وجه الأهمية في هذا الكتاب ليس فقط ترجمته من اللغة الأصلية، أي اللغة الألمانية وهي لغة هايدغر، بل أيضا في المقدمة الغنية للمترجم، التي تغوص إلى أعماق النص لتقدمه للقارئ العربي من دون إبهام وغموض.


قراءة: رامي طوقان
المصدر:  الاستغراب، العدد الخامس، خريف 2016.

لتحميل الكتاب: مدخل إلى الميتافيزيقا لـ مارتن هايدغر 

معلومات عن الكتاب: 
الأسم : مدخل الي الميتافيزيقيا 
المؤلف : مارتن هايدغر 
المترجم : عماد نبيل 
دار النشر : دار الفارابي 
الطبعة : الاولى 
سنة الطبع : 2015 
عدد الصفحات : 527 صفحة 
الحجم : 10 ميجا بايت 

رواية : قبلات نيتشه




تأليف: لانس أولسن
ترجمة: نادين نصر الله
عدد الصفحات : 256
الطبعة الأولى 2017، دار التنوير

حفر أولسن عميقا في الباطن المتصدع لعقل الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه، في السرد الافتتاحي يعد نيتشه ساعاته الأخيرة المتبقية محاطا بحب ورعاية ممرضته وأخته، بالتناوب مع فصول معنونة بأسماء أجزاء من الجسم البشري، فنقرأ فيها ما يشبه تسجيلا لأحلام من ذاكرة نيتشه: عمله وسفره إلى إيطاليات حيث وقع في حب لو سالوميه، وسنوات تدريسه في تورين ونجاحه الأدبي الكبير في "مولد التراجيديا" وصداقته مع فاغنر قبل أن تنهار، وأخيرا شبابه في ناومبرغ ومولده كابن لأسقف أبرشية. 

يسرد لنا أولسن برقة عالية ثيمات نيتشه وأفكاره بحيث تكون كل جملة بمثابة قبلة، ونستطيع القول إن اولسن كاتب جريء ومحترف قدم لنا عملا أدبيا يرقى غلى مستوى الموضوع الذي تناوله (ببليشرز ويكلي).


لا يقدم لنا اولسن سيرة حياة نيتشه، بل هي المحطات الأساسية في حياة ذلك الفيلسوف الإشكالي الذي ترك أرثا عميقا في الفلسفة بعده.



تحميل رواية قبلات نيتشه

 تحميل رواية قبلات نيتشه

وهم الإله - ريتشارد داوكنز




كان اول لقاء لي بالعالم ريتشارد دوكنز من خلال كتابه "الجين الأناني" عندما عثرت على نسخة فرنسية ملقاة بين كومة روايات ومجلات تباع بخمسة دراهم للكتاب، وقد استمتعت به كما استفدت الشيء الكثير من الكتاب وتعرفت على داوكنز العالم الذي يقدم البيولوجيا التطورية بأسلوب واضح ومسلٍ، لكن متعتي كانت أقل مع "وهم الاله" حيث أن داوكينز الفيلسوف لم يكن ببراعة ولا دقة داوكنز العالم، تعرفت من خلاله على دوكنز الملحد الأصولي الذي ينتقد الدين انتقادا لاذعا، كيفما كان هذا الدين فالدين هو "أصل كل الشرور" كما عنون أحد برامجه التلفزية. الملحد الذي يؤلف كتابا من 400 صفحة ليعلن نهاية الإله، معلنا بنبرة تفاؤل " إذا كان فعل هذا الكتاب كما أتصوره أنا، فإن القارئ المتدين الذي يفتحه سينهيه وقد أصبح ملحدًا"، ومن لم ينهي الكتاب ملحدا فلابد أنه واحد من أصحاب الإيمان الراسخ الذين يمتلكون مناعة هائلة ضد الحجج والنقاش العقلاني كما يضيف. وهذا ما يعبر عن اقتناع دوغمائي تام بصواب الموقف الإلحادي مما يضع داوكنز في خانة واحدة مع الأصولية الدينية التي ترفض الاعتراض على أفكارها وتبخس من كل نقد أو فحص، وذلك ليس غريبا على عالم يرى أن العلوم الطبيعية، البيولوجيا التطورية بشكل خاص، طريق سريع نحو الإلحاد. 


وهمم الإله - ريتشارد دوكنز


في الفصل الأول يناقش إله أينشتاين والجدالات التي أثيرت حوله معبرا عن احترامه لموقف اينشتاين وكل العلماء الذين يعبرون عن اندهاشهم أمام عظمة الكون ودقته، والذي لا يعدو عن كونه مجرد أسلوب في التعبير عن قوانين الطبيعة وروعة هذه الأخيرة، كما أوضح أن الإله موضوع النقد هنا ليس إله أينشتاين ولا أي فكرة عن الاله تقع في هذا الإطار وإن كان يفشل في إدراك البعد اللاهوتي في تصور اينشتاين والذي يندرج  تحت ما يمكن تسميته بوحدة الوجود، ثم يتناول في الجزء الثاني من الفصل والذي عنونه بـ "احترام غير مستحق" موضوع الاحترام المبالغ فيه للدين والذي يحُول دون حرية الفكر والتعبير مقدمًا الكثير من الأمثلة عن ردود فعل المتدينين، قائلا أنه "لن يعطي اعتبارات للدين لا يعطيها لأي موضوع آخر، وأنه لن يعامله بطريقة مختلفة عن معاملته لأي شيء آخر" ، ولهذا فهو يسمح لنفسه بنعت الإله الإبراهيمي بالأحمق، الدموي ...



في الفصل الثاني المعنون ب"فرضية الاله" يخبرنا أنه سينتقد كل "قدرة متوحدة خارقة تعمدت خلق الكون وكل شيء فيه بما فيه نحن" بعد أن قال "لن أهاجم أي من الصفات المحددة ليهوه أو المسيح أو الله أو أي إله آخر مثل زيوس أو بعل أو أودن"، لكنه لا ينفك يقدم انتقادات لهذا الدين أو ذاك متحدثا عن المسيحية ، اليهودية أو عن الإسلام... في هذا يناقش أيضا موقفه من اللاأدرية (وهي ذلك الموقف الوسط بين الإيمان والالحاد الذي يرى أن وجود الاله من عدمه أمر غير قابل للحسم نظرا لعدم توفر ما يكفي من الأدلة) حيث يرى أن هذا الموقف غير سليم لأن وجود الاله من عدمه "سؤال علمي بحث، ويوما ما سنعرف الإجابة".. وأعتقد أن هذه الجملة ستكون صدمة بالنسبة للقارئ، كيف لعالم يلم جيدا بماهية البحث العلمي ويعرف ما هو المنهج العلمي أن يكتب مثل هذا الكلام، وكيف استطاع تخصيص صفحات للحديث عن "تجربة الدعاء الكبرى"، لابد أن شخصية الداعية الملحد قد طغت على شخصية العالم. العلم والدين ينظران للعالم بطريقتين مختلفتين والعلم لا يمكن أن يحدثنا يومًا عن الاله ببساطة لأن الاله لا يمكن صياغته في معادلات رياضية بحتة أو فزيائية رصينة الله ليس فرضية علمية، العلم لا يرى الله ولا يعرفه ولا يعرف كيف يقوم برصده ! العلم يتعامل مع الكون وما فيه فكيف يتعامل مع ما وراء الكون !

يقترح دوكنز "أن وجود الإله هو فرضية علمية كغيرها" وأنه موضوع خلافي لابد أنه سيحسم تماما كما هو الحال في الخلافات حول أسباب انقراض الأحياء نهاية العصر البرمي والطباشيري" وذلك لأنه لا يعترف بفصل الأختصاصات !

ومع أنه يحدثنا في الفصل السابق عن الفرضية العلمية، ينتقل في الفصل الثالث إلى مناقشة ادلة وجود الله الفلسفية التي لا يمكن الحسم فيها من الناحية التجريبية ببساطة، ومن بينها تلك التي قدمها توما الأكويني وأنسلم والتي أساء فهمها بناء على الاسم الذي تحمله "حجج تدل على وجود الله" وفي الحقيقة فهي حجج تعبر عن التوجه الداخلي للإيمان بوجود إله، حيث أن حجج توما الأكويني هي فرضيات منبثقة من الإيمان، الذي يقول عنه توما إن صداه يتردد مع ما نراه في العالم، فهذه البراهين في نظر توما إذن هي تجلٍ للتماسك الداخلي بالاعتقاد بوجود إله... كما يناقش الأدلة من الكتب المقدسة حيث يتناول حياة المسيح وتاريخية أقواله ومتى كتبت ومن كتبها وهل هي موثوقة ... ثم يتطرق لمسألة الاحتجاج بالعلماء الكبار المتدينين حيث يحاول تبيان أن عدد هؤلاء العلماء في تناقص وأن المؤمنين منهم مؤمنون بإله إينشتاين... ثم ينتقل لمناقشة رهان باسكال...

في الفصل التالي يقدم دوكنز جوابا عن السؤال "لماذا الاحتمال الأكبر هو عدم وجود إله؟"، وهنا يشير إلى اعتباطية إيقاف التراجع اللانهائي للعلل عند علة أولى هي إله ما، كما يحدثنا عن التطور التدريجي والانتخاب الطبيعي وعدم حاجة الأشياء المعقدة إلى صانع وأن الانتخاب الطبيعي كاف لتفسير الظواهر التي تبدو مصممّة من طرف خالق، ويناقش أمثلة لما يقدمه المتدينون كأدلة على التعقيد غير قابل للاختزال (العين كمثال) ، وهنا نتعرف مرة أخرى على دوكنز العالم الذي أجاد في مناقشة مسألة التعقيد في الكائنات الحية مبينا أن هذه الأدلة تندرج في إطار مغالطة الاحتجاج بالجهل، في هذا الفصل أيضا يتناول داوكنز المبدأ الأنتروبي والذي يساء استخدامه من طرف المتدينين كدليل على العناية الالهية والتصميم، كما يناقش قضية نشأة الحياة ولا احتماليتها الكبيرة والتي تصير محتملة جدا مع تعدد الكواكب وما دمنا نطرح هذا السؤال فلابد أن ذلك الاحتمال الضئيــــــــل قد تحقق، ففي النهاية اللاحتمالية لا تعني الاستحالة.



في الفصل التالي يتناول داوكينز موضوع أصل الدين حيث يشير إلى احتمال كون السبب في ظهور الدين هو ما يقدمه من أجوبة حول الوجود الإنساني أو ما يقدمه من عزاء، لكنه يصر على أن هدفه هو بلوغ تفسير دارويني نهائي مقدما بذلك محاولة للتأصيل للدين بناء على البيولوجيا، فالدين بالنسبة له قد يكون مجرد عرض ثانوي لصفة مفيدة أخطأت الهدف، وهذه الصفة هي "ميل الطفل لتصديق ما يقوله الأصل والكبار في السن من أهل العشيرة" كما يرى داوكنز، وتلك الطاعة والثقة العمياء مهمة للبقاء لذلك تم انتقاؤها، نفهم أن الدين هو صفة عرضية لتلك الخاصية التي يتصف بها دماغ الطفل لكنه يقول "ولكن الوجه الآخر للطاعة والثقة هو السذاجة الخانعة، كناتج عرضي لا مناص منه يسبب الضعف تجاه عدوى الفيروسات الفكرية" فهل الصفة العرضية هي الدين أم الضعف تجاه الدين؟ ذلك الدين الذي يعتبره "فيروسًا"، (بل إن دوكنز قد سبق وقدم الله باعتباره فيروسا يهاجم العقل البشري ويلوثه في محاولة لتفسير تشبث الكثيرين بهذا الاعتقاد رغم أنه غير منطقي تماما)، دوكنز يرى أن التدين مرض لذلك تجده يستعمل عبارات مثل "شفيت من المسيحية". ولكن الأهم هو العلم، اين هو العلم من كل هذا؟ أم أن الأمر يتعلق بتخمينات لا غير، يبدو أن هذه المقاربة تفتقر إلى الأدلة التي تتطلبها العلوم الطبيعية والتي يحاول الاعتماد عليها. كما يتناول في هذا الفصل قضايا مثل الأخلاق أو دوافع الالتزام الاخلاقي في غياب إله يراقب تصرفات البشر، وطبعًا يعمل على تفسير الأخلاق من وجهة نظر داروينية... وفي الفصل التالي يواصل مناقشة قضية الالتزام الأخلاقي انطلاقا من نصوص الكتب المقدسة محاولا إثبات أنها ليس جديرة بالاتباع بل إنها ضد الحس الأخلاقي العام في أغلب الأحيان.

في الفصل الثامن يتناول سبب هذا العداء للدين، لماذا محاربة الدين بشكل خاص دون غيره من الخرافات (الأبراج وقراءة الطالع وغيرها..)، ليحدثنا عن رفضه لتقويض العلم من طرف الأصولية الدينية ورفضه للأحكام المطلقة مقدما أمثلة كثيرة على هذه الأحكام: عقوبة القتل التي لا تزال تطبق في بعض البلدان الإسلامية، رفض الاعتراف بحقوق المثليين، وعدم الاعتراف بالحق في الاجهاض (وقد استفاض في مناقشة مشروعية هذا الحق)، ويبدو جليا أنه يحقد بشكل خاص على التطرف الإسلامي. هذا ونجد أنه لا يكتفي بنقد التطرف الديني بل يرفض أيضا ما يسمى بالتدين المعتدل، حيث يبين أنه مجرد أكذوبة فالإسلام الصوفت المعتدل مجرد كذب والحقيقة أن الإسلام دين حرب وليس دين سلام. طبعا هناك الكثير من التعميم والتحيز للفكر الإلحادي في مقاربة دوكنز وإن كنا نعلم أن الدين قد يكون سببا في توليد العنف فهذا لا يدعو للتعميم أو إنكار المذابح والجرائم التي أقيمت باسم الفلسفات المادية والشيوعية منها بشكل خاص، هل اختفاء الدين يعني أمانا وسلاما مطلقا، من البديهي أن الأمر بعيد كل البعد عن التصور التبسيطي الذي يقدمه لنا دوكنز بشكل غير موضوعي بل إنه يقول أن الإلحاد لا يدفع الناس بأي شكل من الأشكال لفعل الشر.

في الفصل التالي يناقش مسألة مهمة جدًا، وهي تدين الأطفال، حيث يرى أنه ليس من الصواب إطلاقا وصم طفل بدين والديه، ليس من حقنا أن نقول الطفل المسلم عادل والطفلة المسيحية كاترين، كما يرى أن تربية الطفل على الإيمان بمعتقد معين هو اعتاء على حقوق هذا الطفل، فلا حق لنا في حشو عقول أطفالنا بمعتقدات غير منطقية وخرافية؟ لكن ما هو المقابل حشو عقولهم بفكر لاديني علموي يقوم على أساس مادي؟ هل نسمح للملحدين بحشو أدمغة أبنائهم بمعتقداتهم؟ دوكنز محق في التعبير عن قلقه حول أساليب تربية الأطفال، ولا نملك إلا أن نشاركه قلقه، لكن الأولى أن يحث على تربية الأطفال على التفكير النقدي وحرية الاختيار، أما أن تطالب الأبوين بعدم التأثير على الأبناء بمعتقداتهم فهذا أمر غير ممكن في نظري وإلا فأي قيم ننقلها لهؤلاء الأطفال؟

في الفصل العاشر والأخير يناقش مسألة العزاء الذي يقدمه الدين وهو موضوع بعيد عن وجود الله باعتبار أن العزاء والراحة النفسية ليسا دليلين على وجود إله.



شخصيا، أعتقد أنه لم يوفق أبدا فيما سعى إليه. الكاتب لم يكن منهجيا ولا عادلا في تناوله للأدلة بل إنه يقدم آراء شخصية بعيدة عما يمكن اعتباره دليلا على عدم وجود إله، طبعا هناك فصول ممتعة في الكتاب لكنه في النهاية ليس سوى حشد لمجموعة من الانتقادات التي سبق ووجهت للأديان ولمفهوم الإله بشكل عام، بعض أن صبغها بشيء من العجرفة والثقة الزائدة في النفس (تلك العجرفة التي جعلت يرفض اعتراف أحد العلماء الكبار بل وتكون ردة فعله أنهم إنما يمارسون نوعًا من التزلف للهيئات العلمية أو التقية وإنهم في الحقيقة لا يقصدون ذلك كما فعل مثلا مع العالم فريمان دايسون حين علق على قوله أن "الشخصان اللذان جسدا الشر في القرن الحالي، هتلر وستالين، إثنان أقرا بإلحادهما" يقول : "أليس ذلك بالضبط ما سيقوله أي عالم ملحد، لو أراد أن يبدو مسيحيا؟" ، فلا يمكن لعالم حقيقي أن يصدق هذا الهراء الديني ! ) والعدوانية تجاه كل ما يتم للدين بصلة، الكتاب هجوم شرس على الدين وأمل في اختفاء هذا الأخير، كما أشرت من خلال الكتاب نتعرف على بعد آخر في شخصية دوكنز، ذلك العالم الفذ الذي اعتبر "واحدا من المفكرين الرياديين الثلاثة في العالم" كما أظهر استطلاع قراء مجلة بروسبكت سنة 2005، نفس المجلة التي عنون ناقدها الأدبي مراجعته للكتاب بـ "دوكنز الدوغمائي" معبرا عن دهشته من هذا الكتاب "غير المبالي والمتعصب وغير المترابط والمليء بالتنا


رواية الضفدع الناري



- الكتاب: الضفدع الناري (رحلة إلى قلب الفكر)
- عدد الصفحات: 342
- المؤلف: ج.ك مايكلز
- ترجمة : منى الدروبي
- دار البلسم للنشر والتوزيع

ممتعة كقصة، موسعة للعقل كرواية رمزية

الضفدع الناري ضفدع مميز، فبالإضافة لقدميه الناقصتين، هو ضفدع فضولي. يدفعه فضوله لمجابهة عدة اختيارات، أهمها ذاك الصراع الداخلي بين ميل نحو حياة الراحة والرفاهية في سجنه الزجاجي حيث الحماية والطعام الوفير، وبين رغبة وتوق للحرية رغم الصعاب والمخاطر "تشعر دائما بالتوتر والشد بين الرغبة في رؤية الحافة والإحساس بها وملامستها، وبين الرغبة في التراجع والانسحاب نحو الأمان والحرية" (ص37).

ويا لها من إشكاليات فلسفية تلك التي يثيرها هذا الموقف: 


أتختار الأمن أم الحرية؟
ما الذي يرجح هذه الكفة عن تلك؟
هل لك أن تختار أصلا؟
هل تملك إرادة حرة؟

تركيز الرواية على هذه الاشكاليات المتعلقة بالاختيار والمسؤولية هو ما جعلها مدخلا سهلا للفلسفة الوجودية بسردها السلس والبسيط، تلك الفلسفة التي تؤكد على مركزية الحرية في الوجود الإنساني، فهي مرغوبة لدى الإنسان، وهو دائم التطلع إليها والسعي نحوها، بل إنه محكوم بالحرية كما يقول سارتر، فوجوده سابق لماهيته، تلك الماهية التي يخلق من خلال اختياراته وأفعاله " ما سأقوم به الآن سيخلق مني ما سأكون" - بطل رواية الغثيان - (ص 337).


تحميل رواية الضفدع الناري


لكن، هل نحن فعلا صنيعة خياراتنا؟ هل سارتر محق في كون الإنسان يتحمل مسؤولية ما هو عليه؟ لا أدري، لكن الضفدع يدفعنا للتفكير من جديد، "أصبح باستطاعتي الآن أن أرى كيف أن حطوط وحدود غيري من الناس والأشياء هي التي تشكلني. فحدود جسدي ليست هي التي تقرر من أكون وماذا باستطاعتي أن أفعل وأين يمكنني الذهاب، إنما حافات كل الأشخاص وكل الأشياء هي التي تعمل على نحت كافة إمكاناتي" (39). فلا يمكن مناقشة الحرية دون استحضار حاجة الإنسان إلى العيش في مجتمع والإنتماء إليه، ربما لهذا صرخ سارتر في روايته "الآخرون هم الجحيم"، فالحرية لهذا الاعتبار ليست مطلقة تقيدها إكراهات اجتماعية وبيولوجية (القدمان الناقصات) ... ربما سنعيش "دوما وأبدا في عالم محاط بالحافات والحدود" (319).

خلال فصول الرواية لا ينفك الضفدع الناري يوازن بين اختياراته والتفكير في نتائجها 'ربما سترميني إلى أرض السيارة وتدهسني بقدمها. ربما ستمسكني في يدها وتعصرني" (338) فكل اختيار مهما كان صغيرا قد يقود لمغامرات كبرى، قد يقلب حياة الفرد وقد يقوده لحتفه ! (تأثير الفراشة). قد نندم على بعض الاختيارات "أخذ يعيد التفكير .. يتذكر حوضه الزجاجي المريح الذي يمتلئ بالجراد الفضي الريان ..." (221) لكن الحرية تستلزم المسؤولية وليكن عزاؤنا أننا اخترنا بمحض إرادتنا وإن كان ذلك محط تساؤل !

ومع ذلك فبعض المواقف من التعقيد بحيث تدفعنا للقفز دون تفكير، كقفزة الإيمان عند كيركغارد الفيلسوف الوجودي الذي اختار الإيمان دون محاكمات عقلية، اختار الوثوب إلى المجهول ! " ليس ثمة أي سبب أو منطق لما أنا عازم على فعله، ولكني سأفعله" (339).
من خلال روايته، يجعلنا الكاتب نغير البارديغم، ونلقي نظرة على العالم الإنساني من خلال عيون الضفدع ونتأمل علاقته بفتاتين لكل منهما عالما الخاص ومشاكلها، نراقب البشر من وراء زجاج الحوض ونتساءل عن دوافعهم والأسباب الكامنة وراء تصرفاتهم "حين أنظر من خلال الزجاج إلى عالمهم، أرى أنهم يبحثون عن شيء أكثر، أكثر مما لديهم، يأتون إلى هنا لاقتناء قطط وكلاب... وضفادع. أنا لست واثقا، لكنني أحيانا اتساءل قد يكونون بحاجة إلى كائن يهتم بهم لا العكس " !


ختاما أشير إلى أن الكاتب يؤكد تيمة الاختيار والحرية من خلال إدراج ثالث مقدمات كل واحدة موجهة لفئة معينة، مقدمة للصغار، واحدة للمراهقين وأخرى للبالغين، فيضعنا منذ الصفحات الأولى امام إشكالية الاختيار: هل أقرأ مقدمة البالغين فقط؟ أم أقرأ كل المقدمات؟ 

الجميل أيضا في الرواية أن الكاتب ختمها بفصلين الأول عن الضفادع النارية للتعرف عليها أكثر وفصل للتعرف على الفلسفة الوجودية وروادها سارتر، هايدغر، دوستويفسكي ...


 تحميل رواية الضفدع الناري

أقدم لك الفلسفة



أقدم لك الفلسفة هو الكتاب الثالث من سلسلة "أقدم لك"، وهي سلسلة تحاول التغلب على مشكلة غموض الفلسفة، والتباس أفكارها ومشكلاتها على ذهن القارئ العربي العادي غير المدرب، وهي تعمل على تبسيط الفكر الفلسفي من خلال الصور، الرسوم والأشكال التوضيحية التي تعبر عن الفكرة الفلسفية دون إخلال بمضمونها أو عمقها.

أقدم لك الفلسفة


وقد جاء هذا الكتاب عرضا لتاريخ الفلسفة الغربية بأسرها منذ نشأتها في بلاد اليونان، في القرن السادس قبل الميلاد، عندما طرح فلاسفة ملطية ما يسميه المؤلفان بالسؤال الكبير: من أين جاء العالم؟ ومم يتألف؟ وتتعدد الإجابات ...

ثم يأتي سقراط، والسوفسطائيون، ليتغير مسار الفلسفة من البحث في الكون إلى البحث في مشكلات الإنسان لا سيما في ميداني الأخلاق والسياسة. وتتوالى المذاهب الكبرى: أفلاطون، وأرسطو ... ثم الرواقية والأبيقورية، والفلسفة السكولائية في العصر الوسيط، مع الإشارة إلى دور العرب في الاحتفاظ بالشعلة بعد أن خيم على أوربا ظلام دامس ...



ويواصل المؤلفان حديثهما عن رحلة الفكر في عصر النهضة، والعصر الحديث، إلى عصر التنوير، والفلسفة المعاصرة حتى الحداثة، وما بعد الحداثة ...

ذلك كله في أسلوب مبسط وسهل لكنه شيق وعميق، حتى لنجد المذاهب الكبرى - ديكارت، كانط وهيجل ...-  ملخصة في عبارات موجزة واضحة، تزينها رسوم توضيحية ل تخلو من طرافة. ومن هنا كان الكتاب دعوة إلى القارئ العربي للدخول في هذا العالم الرحب : عالم الفلسفة.





كتاب "الأناركية" لـ دانييل غيران




         ... أما الأناركية، فقد أردت بهذا اللفظ الإشارة إلى ذروة التقدم السياسي، فالأناركية هي، إن جاز القول، شكل من أشكال الحكومة أو الدستور يكفي معه الوعي الجمعي والفردي، الذي يتشكل عبر تطور العلم والقانون، وحده، للحفاظ على النظام وضمان كل الحريات. ونتيجة لذلك، تتقلص السلطة ومؤسسات الشرطة وأدوات القمع والبيروقراطية والضرائب، وغيرها، إلى حجمها الطبيعي لسبب جد وجيه، وهو اختفاء أنماط الملكية والمركزية المتطرفة بعد استبدالها بالمؤسسات الفيدرالية والتقاليد الكوميونية... جلي إذن أن اختفاء القيود يعني ولوجنا عصر الحرية الكاملة، أو الأناركية، وحينذاك سيتحقق القانون الاجتماعي بذاته، بلا رقابة ولا قيادة، وإنما من خلال العفوية الشاملة.
                   برودون، من رسالة إلى مجهول، 30 أغسطس 1864م، ستة أشهر قبل وفاته.



كتاب الأناركية


          دأب المنظرون والفلاسفة السياسيون الغربيون على احتقار الأناركية بوصفها "فوضى" تُقوّض "النظام" الذي أفرزته مسيرة الغرب الطويلة إلى الدولة الحديثة. وفي ذلك صار العب والمسلمون تبعا لهم بغير وعي ولا فهم، يقبسون الأفكار والأنظمة ويلوكون نفس المسوّغات بغير تبصّر.

وإذا كان تاريخ نشر هذا الكتاب يرجع لخمسة عقود مضت، إلا أنه سيمثل مفاجأة كبيرة للقارئ العربي الذي يبغي التحرر من أسر النظريات السياسية الغربية وإصر الدولة الحديثة. فهذا الكتاب ليس نقدا أكاديميا للنظريات أو الفلسفات السياسية الغربية، بل هو مزج جدلي حي ومقتدر بين النقد النظري وتطبيقاته العملية، والتي أخضعتها الممارسة الأناركية الثرية لمراجعة مستمرة، باستعراضه للحظات نماذجية أناركية اقترب فيها الإنسان الأوروبي إجرائيا من الفطرة، بدرجة غير مسبوقة، بعد أن حطم كل أغلال الاستنارة والعقلنة، سعيا لاستعادة إنسانيته.

هذا الكتاب فريد، والوجه الذي يبرزه بين صفحاته، للحضارة الغربية شديد الحيوية فريد هو الآخر.



عن الكاتب:  


      دانيال غيران (1904-1988): كاتب ثوري فرنسي، ومؤرخ وناشط سياسي، وناقد فني، ومنظر ليبرتاري شيوعي، ذاعت شهرته بسبب هذا الكتاب الذي نشر لأول مرة عام 1965 عن دار غاليمار الشهيرة. وقد عرف بمعارضته للنازية والفاشية والكولونيالية، ودعمه لحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، ومن قبلها للاتحاد الوطني للعمل CNT  إبان الحرب الأهلية الإسبانية، ناهيك عن عضويته في حزب العمال والفلاحين الإشتراكي حيث كان مقربا من تروتسكي.

تحميل الكتاب: الأناركية لـ دانيال غيران