... أما
الأناركية، فقد أردت بهذا اللفظ الإشارة إلى ذروة التقدم السياسي، فالأناركية هي،
إن جاز القول، شكل من أشكال الحكومة أو الدستور يكفي معه الوعي الجمعي والفردي،
الذي يتشكل عبر تطور العلم والقانون، وحده، للحفاظ على النظام وضمان كل الحريات.
ونتيجة لذلك، تتقلص السلطة ومؤسسات الشرطة وأدوات القمع والبيروقراطية والضرائب،
وغيرها، إلى حجمها الطبيعي لسبب جد وجيه، وهو اختفاء أنماط الملكية والمركزية
المتطرفة بعد استبدالها بالمؤسسات الفيدرالية والتقاليد الكوميونية... جلي إذن أن
اختفاء القيود يعني ولوجنا عصر الحرية الكاملة، أو الأناركية، وحينذاك سيتحقق
القانون الاجتماعي بذاته، بلا رقابة ولا قيادة، وإنما من خلال العفوية الشاملة.
برودون، من رسالة إلى
مجهول، 30 أغسطس 1864م، ستة أشهر قبل وفاته.
دأب المنظرون
والفلاسفة السياسيون الغربيون على احتقار الأناركية بوصفها "فوضى"
تُقوّض "النظام" الذي أفرزته مسيرة الغرب الطويلة إلى الدولة الحديثة.
وفي ذلك صار العب والمسلمون تبعا لهم بغير وعي ولا فهم، يقبسون الأفكار والأنظمة
ويلوكون نفس المسوّغات بغير تبصّر.
وإذا كان تاريخ
نشر هذا الكتاب يرجع لخمسة عقود مضت، إلا أنه سيمثل مفاجأة كبيرة للقارئ العربي
الذي يبغي التحرر من أسر النظريات السياسية الغربية وإصر الدولة الحديثة. فهذا
الكتاب ليس نقدا أكاديميا للنظريات أو الفلسفات السياسية الغربية، بل هو مزج جدلي
حي ومقتدر بين النقد النظري وتطبيقاته العملية، والتي أخضعتها الممارسة الأناركية
الثرية لمراجعة مستمرة، باستعراضه للحظات نماذجية أناركية اقترب فيها الإنسان
الأوروبي إجرائيا من الفطرة، بدرجة غير مسبوقة، بعد أن حطم كل أغلال الاستنارة
والعقلنة، سعيا لاستعادة إنسانيته.
هذا الكتاب فريد،
والوجه الذي يبرزه بين صفحاته، للحضارة الغربية شديد الحيوية فريد هو الآخر.
عن الكاتب:
دانيال غيران
(1904-1988): كاتب ثوري فرنسي، ومؤرخ وناشط سياسي، وناقد فني، ومنظر ليبرتاري
شيوعي، ذاعت شهرته بسبب هذا الكتاب الذي نشر لأول مرة عام 1965 عن دار غاليمار
الشهيرة. وقد عرف بمعارضته للنازية والفاشية والكولونيالية، ودعمه لحركة الحقوق
المدنية في الولايات المتحدة، ومن قبلها للاتحاد الوطني للعمل CNT إبان الحرب الأهلية الإسبانية، ناهيك عن عضويته
في حزب العمال والفلاحين الإشتراكي حيث كان مقربا من تروتسكي.
تحميل الكتاب: الأناركية لـ دانيال غيران
أترك تعليقا