- الكتاب: الضفدع الناري (رحلة إلى قلب الفكر)
- عدد الصفحات: 342
- المؤلف: ج.ك مايكلز
- ترجمة : منى الدروبي
- دار البلسم للنشر والتوزيع
- عدد الصفحات: 342
- المؤلف: ج.ك مايكلز
- ترجمة : منى الدروبي
- دار البلسم للنشر والتوزيع
ممتعة كقصة، موسعة للعقل كرواية رمزية
الضفدع الناري ضفدع مميز، فبالإضافة لقدميه الناقصتين، هو ضفدع فضولي. يدفعه فضوله لمجابهة عدة اختيارات، أهمها ذاك الصراع الداخلي بين ميل نحو حياة الراحة والرفاهية في سجنه الزجاجي حيث الحماية والطعام الوفير، وبين رغبة وتوق للحرية رغم الصعاب والمخاطر "تشعر دائما بالتوتر والشد بين الرغبة في رؤية الحافة والإحساس بها وملامستها، وبين الرغبة في التراجع والانسحاب نحو الأمان والحرية" (ص37).
ويا لها من إشكاليات فلسفية تلك التي يثيرها هذا الموقف:
أتختار الأمن أم الحرية؟
ما الذي يرجح هذه الكفة عن تلك؟
هل لك أن تختار أصلا؟
هل تملك إرادة حرة؟
تركيز الرواية على هذه الاشكاليات المتعلقة بالاختيار والمسؤولية هو ما جعلها مدخلا سهلا للفلسفة الوجودية بسردها السلس والبسيط، تلك الفلسفة التي تؤكد على مركزية الحرية في الوجود الإنساني، فهي مرغوبة لدى الإنسان، وهو دائم التطلع إليها والسعي نحوها، بل إنه محكوم بالحرية كما يقول سارتر، فوجوده سابق لماهيته، تلك الماهية التي يخلق من خلال اختياراته وأفعاله " ما سأقوم به الآن سيخلق مني ما سأكون" - بطل رواية الغثيان - (ص 337).
لكن، هل نحن فعلا صنيعة خياراتنا؟ هل سارتر محق في كون الإنسان يتحمل مسؤولية ما هو عليه؟ لا أدري، لكن الضفدع يدفعنا للتفكير من جديد، "أصبح باستطاعتي الآن أن أرى كيف أن حطوط وحدود غيري من الناس والأشياء هي التي تشكلني. فحدود جسدي ليست هي التي تقرر من أكون وماذا باستطاعتي أن أفعل وأين يمكنني الذهاب، إنما حافات كل الأشخاص وكل الأشياء هي التي تعمل على نحت كافة إمكاناتي" (39). فلا يمكن مناقشة الحرية دون استحضار حاجة الإنسان إلى العيش في مجتمع والإنتماء إليه، ربما لهذا صرخ سارتر في روايته "الآخرون هم الجحيم"، فالحرية لهذا الاعتبار ليست مطلقة تقيدها إكراهات اجتماعية وبيولوجية (القدمان الناقصات) ... ربما سنعيش "دوما وأبدا في عالم محاط بالحافات والحدود" (319).
خلال فصول الرواية لا ينفك الضفدع الناري يوازن بين اختياراته والتفكير في نتائجها 'ربما سترميني إلى أرض السيارة وتدهسني بقدمها. ربما ستمسكني في يدها وتعصرني" (338) فكل اختيار مهما كان صغيرا قد يقود لمغامرات كبرى، قد يقلب حياة الفرد وقد يقوده لحتفه ! (تأثير الفراشة). قد نندم على بعض الاختيارات "أخذ يعيد التفكير .. يتذكر حوضه الزجاجي المريح الذي يمتلئ بالجراد الفضي الريان ..." (221) لكن الحرية تستلزم المسؤولية وليكن عزاؤنا أننا اخترنا بمحض إرادتنا وإن كان ذلك محط تساؤل !
ومع ذلك فبعض المواقف من التعقيد بحيث تدفعنا للقفز دون تفكير، كقفزة الإيمان عند كيركغارد الفيلسوف الوجودي الذي اختار الإيمان دون محاكمات عقلية، اختار الوثوب إلى المجهول ! " ليس ثمة أي سبب أو منطق لما أنا عازم على فعله، ولكني سأفعله" (339).
من خلال روايته، يجعلنا الكاتب نغير البارديغم، ونلقي نظرة على العالم الإنساني من خلال عيون الضفدع ونتأمل علاقته بفتاتين لكل منهما عالما الخاص ومشاكلها، نراقب البشر من وراء زجاج الحوض ونتساءل عن دوافعهم والأسباب الكامنة وراء تصرفاتهم "حين أنظر من خلال الزجاج إلى عالمهم، أرى أنهم يبحثون عن شيء أكثر، أكثر مما لديهم، يأتون إلى هنا لاقتناء قطط وكلاب... وضفادع. أنا لست واثقا، لكنني أحيانا اتساءل قد يكونون بحاجة إلى كائن يهتم بهم لا العكس " !
ختاما أشير إلى أن الكاتب يؤكد تيمة الاختيار والحرية من خلال إدراج ثالث مقدمات كل واحدة موجهة لفئة معينة، مقدمة للصغار، واحدة للمراهقين وأخرى للبالغين، فيضعنا منذ الصفحات الأولى امام إشكالية الاختيار: هل أقرأ مقدمة البالغين فقط؟ أم أقرأ كل المقدمات؟
الجميل أيضا في الرواية أن الكاتب ختمها بفصلين الأول عن الضفادع النارية للتعرف عليها أكثر وفصل للتعرف على الفلسفة الوجودية وروادها سارتر، هايدغر، دوستويفسكي ...
أترك تعليقا