أبيقُور
ولد أبيقور حوالي 341 وتوفي سنة 270ق.م. وهو فيلسوف تبنى ذرية ديموقريطس، وربما يكون عدل فيها في ضوء انتقادات أرسطو، وقد طور نظرية في الأخلاق تتعلق بها.
كان غزير الإنتاج، ومعظم ما بقي من أعماله موجود في كتاب
ديوجين اللايريتي lives of Eminent Philosophers، و نجد كتابات أخرى
عند شيشرون، سينكا، بلوتارك وفي مواضع أخرى، لكن أكثر التصورات التي كتبت عن
تعاليم أبيقور اكتمالاً وأمانة إنما نجده في القصيدة الوعظية اللاتينية
العظيمة التي كتبها لوقريطيوس (نحو 100-55ب.م)
لا تتوفر لدينا معلومات ذات شأن عن تفاصيل حياته،
باستثناء أنه أسس "الحديقة"، حوالي 306 ق.م، وهو الإسم الذي عرفت به
المدرسة الأبيقورية. وكذلك معاناته الجسدية والتي طالت مدتها نتيجة إصابته
بالتهاب الكبد. كان أبوه من سكان مقاطعة أتيكا، لكنه ارتحل إلى ساموس، حيث فلح
قطعة صغيرة من الأرض وبنى مدرسة وبالتالي كان أول معلم لابنه، ولكن إذ لم يبقى
لديه ما يعلمه إياه أرسله إلى تايوس ليدرس على نوزيفانس، تلميذ ديموقريطس.
وذلك كان أصل المذهب الذري الذي نجده في الأبيقورية، والذي لم يكن له من
هدف عند أبيقور سوى أن يكون أساسا ماديًا للنفس، وحتى لروحانية مذهبه.
ثم أدى أبيقور الفتى بعد ذلك خدمته العسكرية في
أثينا، في آن واحد مع مناندرس الشاعر الذي سيشتهر لاحقا كمؤلف للهزليات. ولكن
عندما عاد إلى موطنه صدر أمر بطرد أبيه من ساموس، ولا يبدو أن أبيقور عرف
شخصيا كبار مفكري عصره، وذلك أنه عاش فقيرا منفيا من أثينا.
وقد دفعته ظروفه إلى أن ينصرف إلى التأمل بمفرده، خارج
كل إطار مدرسي، ولكنه حرم أيضا من تسهيلات الشباب الهادئ التي عرفها أفلاطون
مثلا، على أنه ارتبط في لمسباقيوم بأواصر صداقات ثمينة حافظ عليها عمره كله. وتلك
كانت أجمل ثمار "حديقته". مترودورس الذي كان أول أصدقائه، كان
أيضا أول من توفي منهم، وكان يقام في العشرين من كل شهر احتفال تكريما لذكراه،
وفيما بعد كرس التلاميذ هذا اليوم لذكرى المعلم نفسه، وفي مترودورس اشتهر القول الأبيقوري
" إذا مات الصديق بقيت ذكراه عاطرة". وقد كان التعليم والصداقة
عند أبيقور صورتين للحياة لا يمكن أبدًا لأنانية الألم الكاسرة أن تنال
منهما، ذلك أن حياة الأبيقوري الأول كانت أبعد ما تكون عن المتعية، وقد
لزمته أوجاع التهاب الكلية التي لا تطاق إلى آخر حياته وقد ودع تلميذه إيدومانايوس
بهذه العبارات: " هذا أجمل أيام حياتي فهو آخرها، إن آلام المثانة
والقولنج تسبب لي عذابا يستعصي على الوصف، وأنت، يا من كنت منذ عهد مراهقتك مخلصا
على الدوام للفلسفة ولي، تعهّد بالرعاية أولاد مترودورس".
على الرغم من أنه اعتقد بأن "الأرض كلها تعيش في
الألم وتكتسب بالألم أعظم قواها" فقد أشاد بالفرح واكتشف الحكمة والفن في
سكينة الحياة وسط الصراعات اليومية. ولم يطلب أبيقور سوى هدوء المقام وصفو القلب.
فكان يطلب السعادة لا اللذة، البساطة الزاهدة لا فخفخة الولائم، وأكثر من أي شيء
آخر طلب العزلة الرزينة، وعالم الحياة الداخلية وكل ذلك في الفرح والحرية: " يجب
أن يعرف المرء كيف يضحك عندما يتفلسف".
"كان أبيقور على مدى
حياته فيلسوفًا حكيما، معتدلا، عادلا...كان وحده بين الفلاسفة الذي كان جميع
تلاميذه أصدقاءه، وكانت شيعته هي وحدها التي يسودها الحب، ولم تنقسم إلى عدة شيع
أخرى"
فولتير.
فيما يتعلق بفلسفته الطبيعية، يجادل أبيقور بأن (1) الكون يتكون من مادة وفراغ. (2) تتكون المادة من جسيمات 'ذرات' غير قابلة للهدم أو القسمة، تختلف في أشكالها و أحجامها، وتكون حال تجمعها كل الأشياء التي توجد (3) الذرات و حركتها هي الحقيقة المفردة النهائية بخصوص الكيفية التي تكون عليها الأشياء، غير أن كل ذرة عرضة "لاختلالات" لا يمكن التنبؤ بها تنجم عنها حركات عشوائية شاملة. (4) ليست هناك ذرة تخلق أو تفنى من قبل قوة إلهية أو أية قوة أخرى (5) العالم سرمدي ويمتد إلى ما لا نهاية (6) كل تكتلات الذرات اتفاقية وذات ديمومة متناهية (7) يلزم عن 5 و6 وجود عوالم مغايرة لعالمنا الذي سوف يختفي في نهاية المطاف (8) الحياة مركبة ذرات غاية في الدقة تشكل الجسد والعقل في كينونة طبيعية مفردة ينتج عن موتها فناء محتم للشخص المعني (9) الآلهة خاملة وقصية، مقدسة وثابتة، ولكن "لا شيء نرجوه أو نخشاه منها" (10) في مثل هذا العالم يتحرر الإنسان من الخوف الخرافي: حرفيا، الموت لا يعني شيئا بالنسبة إليه. (11) ما يضمن الحياة الخيرة هو العطف والصداقة مع من هم حولك، الاعتدال في الشهوات، فرغم أنه لا شيء ممنوع، من يقيس رغباته بمعيار النفع ويحتاج إلى الحد الأدنى هو السعيد حقًا.
لا يقدم الإبيقوريون هذه المبادىء بوصفها عقيدة
تعزز الحياة فحسب، بل تقترن بفلسفة في اللغة و نظرية في المعرفة تؤكد طبيعة
الإدراك الحسي الحقة، كما ينصح بها عبر براهين مفصلة. هكذا يدعم (5) على سبيل
المثال بتجربة "حجة الرمح" الذهنية: إذهب إلى ما تفترض أنه نهاية المكان
وارم رمحاً في خط مستقيم. إذا لم يصطدم بأي شيء، فإن المكان باق، وإذا اصطدم بشيء،
فإن المكان 'الذي تشغله الأشياء التي اصدم بها الرمح' باق. من ثم فإن العالم ليس
متناهيا من أي اتجاه.
أترك تعليقا