الكينونة هي أعم المفاهيم إطلاقا لأنه تشمل وتطول كل الموجودات، وهي
بالتالي أكثر السمات اشتراكا بين كل الكائنات والأشياء فهي نوع الأنواع وخصوصية
الخصوصيات لأنها تلازم كل فرد أو حالة خاصة.
فالكينونة من ثمة حيث اشتراكها وشيوعها اللانهائي هي أكثر الأشياء إفلاتا
من التحدد والضبط والتعريف، مثلما أنها لا تقال أو المالا أعرف وبالتالي فهي
إذن كانت هي أصل الأصول و"مصدر" الأشياء إلا أنها أقرب ما تكون إلى
اللغز أو السر فهي بمثابة شمس لامرئية أو مصدر مجهول للضوء يلقي بأشعته على
الكائنات والأشياء فينيرها ويهبها حظ الوجود لكنه هو نفسه مجهول ولامرئي أو لا
يكاد يُرى إلاعبر تشخصاته وتجسداته فهو "يلمع بغيابه" وهو الغائب الأكبر
والحاضر الأمثل.
وهي في الغالب ما لا يمكن التفكير فيه أو ما لا يقبل
أن يكون محط التفكير كما لا يمكن حسابه وكأنه بديهية البديهيات أو سراب لا يمكن
الإمساك به عينيا أو الإحاطة به، وما لا يمكن حسابه لأنها أقرب إلى اللاشيء منها
إلى الشيء. قد تتجلى أو تبدو هناك أي في الدازاين باعتباره الكائن الوحيد القادر
على مساءلة كينونته وكينونة الإشياء.
وهي كذلك ح – د - ث أكثر مما هي شيء وقد تمركز فكر هايدغر في فترته الثانية
على ما يسميه الإيرايغنيس EREIGNIS أي الحدث الأجلّ أو الحدث الجليل أو الحدث الأكبر الذي هو أقرب ما
يكون إلى الكينونة أو هو الكينونة ذاتها.
تتجلى الكينونة عبر الظهور والأختفاء عبر تاريخ
الفلسفة فتحدد عصور هذا التاريخ ابتداء من الجوهر القائم إلى الحضور الدائم إلى
الفكرة/الصورة (أفلاطون) إلى الفعل (أرسطو) إلى الكوجيتو والذاتية عند ديمارت أو
الفكر المطلق عند هيجل أو إرادة القدرة عند نيتشه أو إرادة الإرادة عند هايدغر –
إنها عند اليونان تعني البدوّ والظهور وفي العصر الوسيط تعني الخلق وفي العصر
الحديث تعني الموضوعية بمقابل الذاتية.
ومع ذلك لا يفهم من هذا الانعطاء أنها
"السبب" أو "الفاعل" أو "الصانع" أو الخالق، فهي
ليست من الله في شيء ولا هي أساس العالم وسنده بل هي أقرب إلى العدم والموت
والتناهي منها غلى الوجود والحياة والعيش.
إعداد: محمد سبيلا
أترك تعليقا