يميز هايدغر بين تصورين للزمن: التصور العادي الجاري والتصور
"الأصلي" أو الأصيل.
الزمن العادي هوالزمن من حيث تلاحق مستمر لسلسة من الآنات التي تتكرر إلى
ما لانهاية.
الأساس الفلسفي لهذا التصور هو فيزياء أرسطو حيث يتور هذا الأخير أن الزمن
هو "مقياس" الحركة التي هي تلاحق لحظات حاضرة، وهو التصور الذي ساد
تاريخ الميتافيزيقا.
أما الزمن "الأصيل" فهو يتعارض مع التصور السابق من حيث أنه
يتعلق بتناهي الدازاين، ومن ثمة فهو ليس قائما على تلاحق مستمر ولا نهائي لآنات
الحاضر، بل هو تعبير عن لهاث مستمر نحو الآتي أو المستقبل أي نحو انشداد الدازاين
إلى مستقبل الذي يتمثل في منذوريته للموت أو مائتيته.
يعتبر هايدغر الزمن العادي زمنا مشتقل لأن الدازاين من أجل أن ينفلت من
تناهيه الذي يداهمه باستمرار يتجه إلى التشبث بزمن مقطع، مموضع يتكرر ويتدوّم
باستمرار ويفلت من وحدته، وكأنه يود أن يتحكم في الزمن ويتصرف فيه ويحوسبه، في حين
أن الزمن في العمق يفلت من أي عملية قولبة وحوسبة وتحكم.
انطلاقا من ذلك يميز هايدغر بين زمنية الدازاين وزمنية الكينونة محاولا فتح
طريق للإنتقال من زمنية الدازاين إلى زمانية الكينونة خاصة ون الكينونة لا تمنح
ولا تهب ذاتها إلا عبر فهم الدازاين وزمنيته أي أن الكينونة لا يمكن فهمها
واستحداسها إلا انطلاقا من الزمن وذاك هو الطريق الذي دشنه كانط بمحاولته الاقتراب
من هذه العلاقة بين الكينونة والزمن، وإن لم يتأت له أن يسير بعيدا في هذا الاتجاه
لأنه كان ضحية الأنطولوجيا الكلاسيكية حول الذات المتوارثة عن ديكارت والمسار الذي
سينبري له هايدغر محاولا فحص العلاقة بين الكينونة والزمن انطلاقا من أنطولوجيا
الدازاين، وهو ما تطلب منه العودة إلى التجارب الأصيلة في الأنطولوجيا الإغريقية
مبينا أنها تقوم على تأويل غير متطابق أو غير دقيق ووحيد الجانب للكينونة منظورا
إليها كحضور دائم محدد للجوهر أو للمادة الجوهرية، وذلك في إطار التخفيف من ضغط
وقوة الحاضر في هذا التصور ومن أجل فهم الزمن لا انطلاقا من الحاضر بل انطلاقا من
المستقبل ومن الزمنية المتناهية للدازاين.
الزمن الذي يتحدث عنه هايدغر ليس الزمن الجاري زمن الوقائع والأحداث أو
الزمن الواقعي، بل هو زمن أعمق، زمن الوجود أو الكينونة.
نحن نفهم الزمن الواقعي فهما تقطيعيا على أنه تتالي وتلاحق آنات ولحظات
وكأننا أمام أو بمواجهة موضوعات خارجية نتعامل معها ونستقبلها كما لو كانت أحداثا
خارجية في غير علاقة مع الزمنية العميقة.
أما الزمن الذي يتقصد هايدغر الحديث عنه فهو زمن أعمق، هو زمن الوجود أي
المرتبط بالموقف الأساس من الوجود وهو موقف الانهمام. وهذا الزمن ليس تلاحقا
وتتاليا لآنات بل تداخل وتوتر داخلي ثلاثي الأبعاد:
الماسيأتي: في هذه الحالة يكون الوجود الإنساني العميق (الدازاين) في حالة
توتر وانشداد قلق نحو المستقبل أو الماسيأتي أو القادم أو الماسيحدث كإمكان وارد.
الماكان: وهو يحيل على ما كانه الوجود الفردي للإنسان، إي إلى عالمه أو ما
يدعوه الإدراك العامي بالماضي. والانشداد والانسقاط إلى المستقبل والآتي لا ينفك
عن هذا الإنشراط بالماكان أو بالشرط التاريخي.
الماهو قائم أو الحاضر: وهي تلك اللحظة المتوترة والدينامية المتداخلة بين
الماسيأتي والماكان والتي ترى الذات الإنسانية فيها نفسها أو صورة عن نفسها.
أترك تعليقا