مارتن هايدغر فيلسوف ألماني، بدأ دروسه عند الآباء اليسوعيين وتابعها في فريبورغ- برسلاو فدرس اللاهوت والفلسفة ونال شهادة الدكتوراه سنة 1916. عيّن سنة 1923 أستاذا في جامعة ماربورغ، ثم حل مكان هوسرل في جامعة فريبورغ سنة 1928. اضطرته أحداث عام 1933 إلى الإنتماء إلى الحزب النازي، فتولى راسة جامعة فريبورغ، ولكنه استقال من منصبه احتجاجا على الحملة المعادية للسامية في الجامعة وعلى عزل عميدين معاديين للنظام، فمنع عن التعلمي الذي لم يعاوده إلا سنة 1936، فتناول في محاضراته فلسفة نيتشه، وانتقد استعمال النازيين لها.
استدعي سنة 1944 للخدمة العمالية فتوقفت محاضراته التي ما لبث الحلفاء أن أطالوا مدة إيقافها حتى سنة 1950 التي استعاد فيها وظيفته ومركزه التعليمي.
من مؤلفاته:
نظرية الحكم النفسانية (1914).
نظرية المقولات عند رانزسكوت (1916) وهي أطروحته التي نال بها شهادة الدكتوراه.
الوجود والزمان (1927) وهو مؤلفه الرئيسي الذي أذاع شهرته، والذي تناول فيه هايدغر موضوع الوجود فأجرى تحليلات وجودية للإنسان ثم انتقل منها غلى الزمان مبينا علاقته بالوجود.
كانط ومسألة الميتافيزيقا (1929).
ما الميتافيزيقا (1929) حلل هايدغر في هذا الكتاب مفهومي القلق والعدم.
في ماهية الحقيقة (1947).
رسالة حول المذهب الإنساني (1947).
دروب لا تفضي إلى أي مكان (1950).
الدرب الضيق (1953).
مقدمة الميتافيزيقا (1953).
ما المقصود بالتفكير (1954).
ما الفلسفة (1956).
التماثل والفرق (1957).
مبدأ العقل (1957).
نيتشه (1961).
مسائل أساسية في الميتافيزيقا (1062).
فلسفته:
تندرج فلسفة هايدغر ضمن إطار الفلسفة المثالية الألمانية، وتسعى إلى إظهار إمكانية استمرار الفكر الفلسفي بعد أن أنجز هيغل مهمة الفكر الفلسفي بتحقيقه لكلية الوجود، عبر محاولة قام بها هايدغر لفهم الوجود في ذاته بدلا من أن يتحققه في ظواهره اللامتناهية واللامحددة. واتبع هايدغر في محاولته هذه منهجية فينومينولوجية تقوم بتحليل ظاهرة الحضور وتسعى عبر تحليلها لأن تتجاوز في العمق كل فلسفة جدلية تنجز أشكال الحضور وتحققها. ولتحقيق مشروعه الفلسفي هذا نظر هايدغر إلى مجمل الفكر الفلسفي فوجد أنالفلسفة التي سبقت سقراط لامست المسألة الفلسفية الأساسية، وهي معنى الوجود، وهي مسألة ما لبث الفكر الفلسفي عبر التاريخ أن تركها للنسيان، الذي غمرها في طياته، فأبرز واجبا هو إنقاذ معنى الوجود من النسيان، وهو واجب أدركه هايدغر، فاتخذ لفلسفته هدفا أوليا أساسيا هو تحديد معنى الوجود الذي يتجلى عبر الإنسان الذي سماه هايدغر بالوجود-هنا (Dasein) لأنه يطرح مسألة الوجود وفق ضرورة كينونية في جوهره فيؤدي إلى كشف الوجود عبر تساؤله وفي مجمل تصرفاته. لذلك رأى هايدغر أن واجبه يقضي بالبدء بتحليل سلوك الإنسان وتجاربه ووجوده وقلقه ومشاريعه وزمنيته تحليلا وجوديا أنطولوجيا، يدرك كون الإنسان كائنا لأجل الموت ويدرك حضوره لذاته وفي العالم، متوصلا في نهايته إلى إظهار مميزات وجودية يتميز بها الوجود في الإنسان وتوضح المعنى الذي يهدف هايدغر أساسا إلى توضيحه، وهو معنى الوجود. وينتقل هايدغر بأنطولوجيته الفينومينولوجية المنهج هذه لتصير تساؤلا حول اللغة التي تشكل موقعا للوجود وليحدد الدازاين بالقدرة على تجاوز ذاته في تعالٍ تتشكل بنيته من الزمنية التي هي بنية يستبق فيها الوجود في العالم مقدوره الأقصى وهو الموت. ويشير هايدغر إلى أن هذه البنية الزمنية المتناهية تهب للدازاين قدرًا هو تاريخ لا يتشكل من تتابع الأحداث في الزمان، بل من مجيء الحرية وارتقائها. ويتم تجاوز هذه الحالة بتجربة القلق التي يظهر فيها العدم الذي يبين الوجود ذاته فيه ومن خلاله للدازاين (الوجود-هنا) راعبا للوجود بحريته التي يتجه إليهَا الوجود والذي يكون له الإنسان (دازاين) ملازمًا أول مما يسمح له بأن يكون في الإنسان كزمان يسمح بالتمييز بين الوجود والموجود أو بين الوجود والكائن. وخلص هايدغر من خلال ذلك إلى التأكيد بأن الميتافيزيقا هي تاريخ الوجود الذي يتخلى عن السؤال التقليدي حول ماهية الحقيقة ويستبدله بالسؤال حول حقيقة الماهية بشرط أن يكون التفكير بالحقيقة تفكيرا يسعى إلى إظهارها برفع كل ما يحجبها، وذلك لأن الميتافيزيقا لا تتمكن من كشف الوجود عند تحديدها له بالموجود أو الكائن إلا إذا نسيت بنيتها الزمنية الأصل، أي إذا نسيت وجود العدم فيها، مما يوجب على قراءة المأثور الميتافيزيقي أن تصير تردادًا يفكك البناء الميتافيزيقي عن طريق الإنكباب على دراسة المأسور للتحرر منه وإدراك القوة التي تجعله ممكنا، وهذا ما فعله هايدغر فأكب على دراسة نيتشه الذي اعتبره فيلسوف العدم الذي يشكل النتائج القصوى للميتافيزيقا التي هو مبدأها.
ودرس هايدغر من المنطلق نفسه قصة المغارة الرمزية التي أظهر فيها أفلاطون الحقيقة كصراع قائم بين الاكتشاف والإخفاء، وأشار أيضا في دراسته للمأثور الميتافيزيقي إلى أن فلسفة ديكارت حددت الحقيقة بكونها يقين الإنسان لذاته ككائن مفكر، وإلى أن نيتشه أتم المشروع الميتافيزيقي بتحديده معنى الوجود بكونه إرادة القوة التي يتكون مبدأها من الإنسان الأعلى ومن الهدف والعودة الدائمة، والتي يكون موت الله نتيجة لها وإفلاسا لإبدال موقع الرغبات وإقصائها إلى ما يتجاوز المحسوس، ولأن فلسفة نيتشه، التي هي شكل منجز من أشكال الميتافيزيقا الذاتية، تعبر عن الماهية العدمية للميتافيزيقا، أوجب هايدغر على الفكر الفلسفية أن يتجاوز مرحلة إنشاء فلسفات جديدة بخطوة تخرجه من الميتافزيقا. ولتحقيق هذه الخطوة، اهتم هايدغر بقراءة نتاج الفلاسفة الذين سبقوا سقراط، واقام حوارا بين الفكر والشعر أكد معه أن بؤس العصر يكمن في عدم تراجع سلطان التقنية التي تنظر إلى الأشياء وتمثلها كمواضيع يقين وأمان، والتي تقصر اللغة محولة إياها إلى أداة إعلام، وهو بؤس دعا هايدغر الإنسان غلى معارضته بالتخلي عن السيادة التي يخال أنه يحكم اللغة بها، ليتفرغ للشعر الأولي الذي يقيم إمكانية كل كلام ولغة.
أترك تعليقا