ماركس : الإنسان والعمل



في المجتمعات البدائية، اقتصر العمل على أنشطة تضمن البقاء على قيد الحياة: الصيد، الجني وصنع بعض الأدوات البسيطة. ومع اختراع الفلاحة، تربية المواشي، صنع الفخار، دخلت الإنسانية إلى حقبة جديدة: أصبح الإنسان مالك وسيدًا على الطبيعة. ولكن في نفس الوقت صار غريبا عن حريته، حيث أن فترة تدجين المواشي وزراعة النبات كانت فترة استغلال للإنسان أيضا، كانت بداية لتقسيم المجتمع إلى أسياد وعبيد.

ماركس واغتراب الإنسان


وبعد ذلك تم اكتشاف آلية تسخير المعادن، ظهرت الكتابة، وأنشأت المدن والدول وبعدها الإمبراطوريات. ثم الصناعة، المكْنَنَة، التجارة والأنشطة الاقتصادية: فولدت الرأسمالية ... تلك هي الخطوط العريضة للتاريخ كما يقدمها ماركس في كتابه "الأيديولوجية الألمانية"، ذاك هو التصور المادي للتاريخ.


يرى ماركس أن تطور قوى الإنتاج مرتبط بتقسيم العمل: بين الرجل والمرأة في الاقتصاد البدائي، بين السيد والعبد في الإقتصاد القديم (مرحلة العبودية)، بين الفلاحين والنبلاء في المجتمعات الإقطاعية وأخير بين العامل والبرجوازي في المجتعمات الرأسمالية، وأن الصراع الطبقي - للسيطرة على وسائل الإنتاج - هو محرك التاريخ.

وبالتالي فمسيرة التاريخ ليست في الحقيقة سوى تاريخ العمل الإنساني، والذي يعتبر في محررا وسببا في الاغتراب في نفس الآن. محررا نظرا لأنه يسمح بتكوين الثروات وباختراع تقنيات حديثة وبالتالي يسمح لنا بالانفلات من إكراهات الطبيعة. ولكنه يؤدي لاغتراب الإنسان لأنه مصدر استغلال وإكراه حينما لا يستفيد من نتاج هذا العمل سوى طائفة صغيرة، عندما يصير الأجير (سواء في المصنع أو في المكتب) أسيرا بسبب تقسيم العمل ويحرم من قدراته الإبداعية ويحشر في مهمة محدودة وغير ذات معنى (سلسلات العمل في المصانع خير مثال) فإنه يصبح مغتربا، حيث أن الإنسان صار مفصولا عن عملية الإنتاج نفسها. وإذا صار الإنسان مغتربا عن عمله اليومية فهو بالضرورة مغترب عن نفسه أيضا وإمكاناته الخلاقة وعن العلاقات الإجتماعية التي تتحدد من خلالها إنسانيته، حيث أن واقع العامل الاغترابي يؤدي ايضا إلى عزله عن زملائه وعن عموم الناس، كما أن النظام الطبقي يشوه عواطف وفعاليات الإنسان ويعمل على تدميره وكلما ازداد إنتاج الأشياء النافعة مالياً كلما ازداد البشر العقيمون، فالرأسمالية حولت حس الإنسان بالوجود إلى حس خاص بالملكية وعندها أصبح فقيراً وغبياً ومحدوداً..



بالنسبة لماركس، ماهية الإنسان، تكمن في العمل الذي به يتصل بالطبيعة ويغيرها ويغير من ذاته وينتج الحضارة الإنسانية. عمل يؤدي للتحرر والاغتراب كما أشرنا، هذا التصور يتكرر عند الكثير من المفكرين، وإن لم يكونوا جميعًا ماركسيين، حيث ينظرون للإنسان من خلال قدرته على تجاوز قوانين الطبيعة من خلال العمل واستعمال التقنية.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا