معَالم مهِمّة في حياة سارتر



ثمة في حياة سارتر بعض المعلم التي تساعد على فهم شخصيته وفكره وفلسفته وموقفه من الحياة. فقد ولد سارتر في باريس في 21 يوليو 1905، ولكن أباه توفي بعد عامين فتربى في بيت جده لأمه الأستاذ كارل شفايتزر وكان مدرسا للغات الحديثة وبخاصة اللغة الألمانية، وبذلك نشأ سارتر في بيت يعطي أهمية كبرى للقيم العقلية والأدبية ورأى نفسه محوطًا بكميات هائلة من الكتب المكومة في كل أركان البيت، وأتيحت له بذلك فرصة الإطلاع على أعمال كبار الأدباء والكتاب فقرأ كورني Corneille  وجوته Goethe، وقرأ أعمال شاتوبريان  Chateaubriand وفيكتور هيجو  Victor Hugo، مثلما عرف كتابات موباسون Maupassant، وفلوبير  Flaubert. وفي ذلك يقول هو نفسه "لقد كنت صورة مصغرة للرجل البالغ، فقد قرأت الكتب التي كتبت للبالغين"، كما يقول أيضا في كتابه "الكلمات" وهو نوع من الترجمة للسيرة الذاتية: "لقد عرفت الكون في الكتب، واختلطت في ذهني تجربتي غير المنظمة المستمدة من الكتب بأحداث الحياة الواقعية التي كانت تحدث بطريق المصادفة والعرض، ونجم عن ذلك نوع من المثالية التي تطلبت مني ثلاثين عاما لكي أُخَلّص نفسي منها وأنبذهَا". ويعترف سارتر في ذلك الكتاب أيضا بأن فقده لأبيه وهو في تلك السن الصغيرة كان معناه أنه نشأ دون أن تكون لديه "أنا أعلى" مما ساعده على تحرر ذهنه وتفكيره وسلوكه. وحين تزوجت أمه للمرة الثانية عام 1916 وعاش معها، ولكنه لم يكن سعيدًا في بيت زوج أمه.


        في عام 1924 التحق سارتر بمدرسة Ecole Normale Superieure  ليحصل منها على شهادة الأجريجاسيون في الفلسفة، وهناك قابل سيمون دو بوفوار وارتبط بها بتلك الرابطة القوية المتينة التي ظلت حتى وفاته دون أن يتزوجها، وهي علاقة يصفها بعض الكتاب بأنها علاقة "أسطورية" نظرا لقوتها واستمرارها. فقد كانا يعتقدان أن الزواج هو نوع من النظام "البرجوازي" ولذا آثرا الا يدخل معا في علاقة رسمية كزوج وزوجة. وتقول دوبوفوار في كتابها La Force de L’age  "لقد وضعنا ثقتنا في العالم وفي أنفسنا. فقد كنا نعارض ونقاوم المجتمع بصورته وتكوينه السائدين حينذاك، ولكن لم نكن نحس بأية مرارة إزاء هذا الموقف العدائي لأنه كان يتضمن نوعًا من التفاؤل القوي الوطيد. كنا نؤمن بضرورة إعادة تشكيل الإنسان وصياغته، وهي عملية لن تتم إلا على ايدينا، ولو جزئيا... لقد خلقنا علاقتنا وروابطنا مع العالم، وكانت الحرية هي جوهر وجودنا ذاته.".

حياة سارتر


        أثناء دراسته للأغريغاسيون في الفلسفة عرف كتابات ماركس، أو كما يقول  Douglas Johnson  أنه (اكتشف) ماركس، والتي كانت بعد ذلك من أهم المعالم الأساسية في تكوينه العقلي، ولكنه رغم ذلك لم يجد في فلسفته الرحرية التي يصبوا إليها حينذاك. ثم عرف بعد ذلك كتابات هوسرل Husserl  وهايدجر Heidegger  وياسبرز Jaspers  فضلا عن معرفته لديكارت   من قبل، وبذلك جمع في تكوينه الفكري بين ثلاث من أهم الحركات الفلسفية بعد الهيجلية وهي الماركسية والفينومنولوجية والوجود ية.

        حين قامت الحرب العالمية الثانية تم تجنيده ولكنه لم يشترك في الحرب، ثم وقع أسيرا عام 1940. ومما له دلالته هنا أنه كتب أثناء الخدمة الخدمة العسكرية جزءا من كتابه عصر العقل L’age de raison. وكذلك جزءا من مؤلفه الهام "الوجود والعدم". وفي فترة الإعتقال قام بتأليف مسرحية لمناسبة أعياد الميلاد كما كان يقوم بشرح فلسفة هايدغر لزملائه المعتقلين الذين كان كثيرون منهم ينتمون إلى طبقة المثقفين.



        حين أطلق سراحه عام 1941 شارك مع الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي في تكونين جمَاعة "للمقاومة الفكرية" وكان من أهم نتائجهَا تأليفه لمسرحيته الشهيرة "الذباب" التي لم ينتبه "الرقيب" في أول الأمر إلى ما تحمله من معاني الحث على المقاومة، لأن "الرقيب" في العادة "شخص غبي وأبله" كما يقول ناتان سكوت، ثم منعت من العرض بعد ذلك ولكن بعد أن كانت أفلحت في توصيل الرسالة التي أرادها سارتر، واصبح سارتر مشهورا منذ ذلك الحين. ولكنه لم يشترك في المقاومة الفعلية لم يقم بأي عمل من أعمال العنف. ولكن هذه "المقاومة الفكرية" كانت بداية لاشتراكه في مقاومة كل أنواع الإضطهاد والوقوف في صف حركات التحرير، وربمَا كان الإستثناء الوحيد من ذلك هو موقفه من قضية اللاجئين الفلسطينيين. وكانت هذه المشاركة نابعة من إيمانه بأنه يجب على المثقف أن يكون "رجل عمل" وليس مجرد "نجم".

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا