انطلاقا من القرن 18، ومع تطور العلوم وروح فلسفة الأنوار،
ارتفعت حدة التوتر بين الفلسفة والدين. وبدأت الكثير من النقاشات تشغل عقول تلك
الفترة.
أول سؤال كان يتعلق بفكرة "الإله الصانع"، فإذا كان
الله قد صنع الكون، وكان هذا الأخير محكومًا بقوانين رياضية محكمة كما بينت
الفيزياء حينها، هل لا يزال هناك مجال لتغيير مجريات الأحداث بتدخل إلهي؟ فالطبيعة
المحكومة بقوانين لا تترك مجالا كبيرا للمعجزات. وقد كان
فولتير من المدافعين عن هذا التصور الذي يشبه الله بــ "صانع الساعات"
فالساعة لم تعد تحتاج لتدخل الإله بعد أن أحكَم صنعهَا. فلتفادي التعارض بين فكرة
الخالق وقوانين الطبيعة، يجب الإقرار أن الله لم يتدخل إلا في البداية عند خلق
الكون وفيمَا بعد ترك الأمور تتطور وفقًا للقوانين التي تحكم الكون. وقد أدى ذلك
إلى تقليص كبير لمجال تدخل الإله.
وقد خطى سبينوزا خطوة إضافية عندمَا صرح أن " الله هو الطبيعة" محطمًا كل تمايز بين الله كلي الحضور والطبيعة الحية مقتربا بذلك من الفلسفات الإلحادية.
السؤال الآخر يتعلق بمعضلة الشر، فلو كان الله موجود كيف يمكن فهم وجود الشر في العالم، الأمراض، الكوارث الطبيعية، والآلام التي تنزل بالناس الأبرياء؟ كان جواب القديس أوغسطين وتومَا الأكويني هو أن الإنسان خلق بإرادة حرة وأنه هو المسؤول عن الشر وليس الله.
ليبنز يقدم إجابة مختلفة، الشر موجود لأن الله غير قادر على خلق عالم أفضل، ففي العالم المحكوم بقوانين لا يمكن تفادي المعاناة واللاعدالة، وعليه فالله اختار من بين العوالم الممكنة العالم "الأقل شر".
ولابد من الإشارة إلى موضوع القدر (هل الخلاص رهين بأفعالنا أم أن قدرنا محدد مقدما؟)، الذي كان من بين الأسئلة التي آثارت الكثير من الجدل، وهو لا يحتاج إلى توضيح لكثرة ما أساله من مداد.
وأخيرا مع فلسفة الأنوار وفصل الفلسفة عن الدين، ظهر الكثير من الفلاسفة الذين اعتبروا أنفسهم ربوبيين يؤمنون بوجود خالق، لكن خالق في غاية التجريد، منفصل عن العالم، ولا تأثير له على هذا الأخير أو على مصير البشري. وآخرون أعلنوا إلحادهم بشكل واضح ووجهوا انتقادات كثير للدين، أما البعض الآخر فقد تناول الموضوع من زاوية أخرى، مثل كانط، فالله لا يندرج ضمن ما يمكن معرفته، فوجوده من عدمه يتجاوز قدرات العقل البشري. ومن غير المجدي أن نخوض في جدالات حول وجوده أو طبيعته، ولا أن نبني تصرفاتنا على وجوده.
أترك تعليقا