فرنسيس بيكون




بيكون
ولد بيكون baconفي لندن عام 1561، كان بيكون حكيما ومتألقا، وقد أوصى حكومة إنجلترا بسياسات بعيدة النظر كانت ستؤدي إلى تنمية الصالح العام لو تم قبولها، وقد كان شغوفا بالفلسفة والعلم، حيث أن أدرك التقدم البشري اللامحدود الذي تقوده المكتشافت العلمية، وذلك على الرغم من أن أنشطته السياسية لم تترك له وقتا لكي يقوم بتلك المكتشفات بنفسه، حيث أنه كان يسعى لتنمية مصالحه، وحتى يحقق أهدافه فقد ساعد في تنفيذ الأمور التي قررها رؤساؤه كيفما كانت هذه القرارات. وقد بذل كل ما في وسعه من أجل ترقيته ونجاحه. وبعد وصول جيمس الأول إلى العرش بدأ تقدم بيكون نحو السلطة، فانتهى به المطاف إلى أن أصبح قاضي القضاة في عهد جيمس الأول. وفي هذا المنصب قبل هدايا من أولئك الذين أصدر حكمًا في قضاياهم بسلطته القضائية، على الرغم من أنه احكامه صدرت بأمانة ووفقًا للقانون. ولكن عندما فقد الحظوة اتهم بقبول الرشاوي، وحرم من جميع مناصبه، وبعد سجنه مدة قصيرة تقاعد في الريف حيث قضى بيكون السنوات القليلة المتبقية من عمره في دراسات تاريخية، علمية، وفلسفية مفيدة، على الرغم من أن كتابيه الأكثر أهمية في الفلسفة كتبا من قبل. و قد توفي بيكون عام 1626.

يقف بيكون خارج دائرة فلاسفة القرن السابع عشر العظام، أذ ينتسب في الروح والنظرة إلى القرن السادس عشر أكثر مما كان ينتسب إلى عصر الفيزياء الرياضية الحديثة، وإلى النزعة العقلانية في الفلسفة. وقد إهتم كتاباه الأكثر أهمية بالمزايا التي تأتي من "تقدم العلم" (1605)، والمناهج المناسبة للبحث عن طريق منطقه الإستقرائي الجديد (الأورغانون الجديد، 1620)، وقد حاول حث الحكومة البريطانية على تمويل مؤسسات البحث، ولكن لم ينجح في ذلكـ ورغم فشله ذاك فإن له الفضل في تأسيس الجمعية الملكية التي أنشأت عام 1662 والتي أصبحت من أعظم المؤسسات العلمية في العالم. ولو قدر لبيكون أن يبعث في عالمنا المعاصر لما أدهشته التطورات التي حدثت في العلم ولا التقدم في الإختراعات الآلية، فقد تخيل ما سيكون لسكان "أطلانطس الجديدة" (كتاب لبيكون) من مؤسسات للبحث العلمي الذي أدى إلى اختراع آلات طائرة، وسفن تغوص، وتليفونات ومكبرات الصوت، وإنتاج صناعي لمعادن جديدة...

منهج بيكون
نادى بيكون بمنهج جديد في العلوم، منهج يعتمد على الملاحظة والتجربة، فالانسان لا يستطيع أن يعرف بصورة سابقة على التجربة ما قوانين الطبيعة، بل لابد أن يذهب مباشرة إلى الطبيعة، ويلاحظ بصبر، ويجري التجارب، ويستمد نتائجه منها. وهذا المنهج هو المنهج الإستقرائي الذي قدمه في كتابه "الأورغانون الجديد"، وقد وضحه مستعملا مثال الحرارة، حيث بدأ بإعداد قائمة بكل الأمثلة التي يعرفها، إما عن طريق الملاحظة البسيطة، وإما عن طريق التجربة، أوعن طريق القراءة، والتي تكون فيها الحرارة موجودة في موضوعات من أي نوع أو وصف [ الحرارة موجودة في أشعة الشمس...]، ثم أعد قائمة بالأمثلة السلبية لحالات مماثلة للحالات التي سبق تسجيلها في القائمة الأولى لكنها تفتقر إلى الحرارة [ الحرارة غير موجودة في أشعة القمر..] ، فمن خلال مقارنة اللائحين قد يحدد الصفة التي موجودة باستمرار عندما تكون الحرارة وتكون غائبة عندما تغيب الحرارة، وبالتالي يتوصل إلى صورة صورة الحرارة. وقد أضاف بيكون إلى القائمتين قائمة ثالثة تتغير فيها كمية الحرارة، ليرى ما إذا كان هناك أي ظرف آخر يتغير إما بصورة مباشرة أو بصورة عكسية بكمية الحرارة، ومن خلال مقارنة القوائم الثلاث يصل بيكون بمقارنة القوائم الثلاث إلى ما يسميه "بالثمرة الأولى" لصورة الحرارة. فهو يجد أن الحرارة نوع من الحركة. لأن جميع الحالات التي توجد فيها الحرارة لا تختلف عن الحالات السابقة إلا في عدم وجود الحركة، وكمية الحرارة التي توجد في كل حالة تتناسب مع كمية الحركة.
وهكذا يمكننا تلخيص منهج بيكون في جمع الملاحظات وتصنيفها في ثلاث قوائم، قائمة الحضور، قائمة الغياب، وقائمة التغير النسبي والعمل على استخلاص جوهر أو أسباب الظاهرة التي ندرسها من خلال مقارنة القوائم.

أوهام العقل عند فرنسيس بيكون

أوهام العقل
كان لابد لكى يصل الإنسان إلى مكانته الحقيقية فى الطبيعة أن يطهر عقله من الأوهام التى تعتريه ، وتلك الأوهام عند بيكون أربعة أقسام :
أوهام القبيلة
وهى أوهام تعود إلى خطأ ونقص العقل الإنسانى من حيث هو كذلك، فهى أوهام أورثتها الخطيئة للعقل البشرى مع كبريائه وغروره ، فهى نوع من الخمول يجعل الإنسان ميالاً لأن يفرض على الطبيعة ما يمليه عقله لا ما تمليه التجربة والمشاهدة، ويشترك فى تلك الأوهام كل البشر.
ومن مظاهر هذا الميل التعميم بالنظر إلى الحالات المؤيدة دون الحالات المعارضة ، كذلك الرغبة فى رؤية تصورات تتحقق فى الطبيعة دون سند من الواقع ، وإنما كل ما فيها أنها تساير العقل على نحو أفضل لبساطتها وإطرادها .
ومثال تلك الأوهام ميل الإنسان إلى البحث عن الوحدة الطبيعية ، فالعقل يعرف تجانسه ويسعى إلى البحث عن ذلك التجانس فى الطبيعة فيجعل من المماثلة السطحية تجانساً يثبت فيه الوحدة الجوهرية للأشياء ، وهناك أمثلة أخرى ساقها بيكون .
هكذا هى أوهام القبيلة - كما قال بيكون - تنشأ عن تحيزات الروح البشرية ، أو عن قصور ملكاتها ، أو عن حركاتها الدائبة ، أو بتأثير النفعالات أو عن عجز الحواس ، أو عن شكل انطباعاتها .
أوهام الكهف 
تلك الأوهام تصدر عن الطبيعة الخاصة لعقل كل فرد وثقافته ، فيقع فى غرام قطاع معين من الأفكار ويألفها ، وحمل أى فكرة أخرى بفسادها وتلوينها لتلائم أفكاره .
مثال تلك الأوهام من يسلم بالجديد لأنه جديد أو بالقديم لمجرد أنه قديم ، أو كمن لا يرى أيا من المواضيع إلا من خلال كشفا معينا كأرسطو ورده كل الأشياء إلى المنطق وقواعده - بحسب بيكون - من أن المنطق لا يعد عند بيكون إلا فنا من الفنون وليس علما بالمعنى الدقيق .

أوهام السوق 
هى الأوهام الناشئة عن الألفاظ ، فالبشر حين يجتمعون - كما فى الأسواق - لا تملك أداة للنقاش ومبادلة الأفكار إلا الألفاظ ، وتلك الألفاظ تتكون للحاجة العملية والتصورات العلمية ثم تسيطر على التصور للأشياء .
من أمثلة تلك الألفاظ التى التى تطلق على معانى مختلفة غامضة فضرب بيكون لذلك كلمة رطب التى تطلق على كل ما هو سريع الانتشار بين الأجسام ، أو على الأجسام التى لا تتماسك عناصرها ، وأشياء أخرى متباينة ( الهواء والزجاج واللهب والتراب ).
أوهام المسرح
وهى الناشئة عن النفوذ والمقام التى تتخذه المذاهب الفلسفية والنظريات والقضايا المتوارثة من الفلاسفة .
من الأمثلة على ذلك أرسطو الذى يرى بيكون فى هذا الصدد أنه أسوأ السوفسطائية حيث يصوغ القواعد حسب الأقيسة ، ثم يبحث عما يؤيدها فى ظواهر الطبيعة ، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى التى ساقها بيكون .
أطلنطس الجديدة عند بيكون
كما تخيل أفلاطون المدينة الفاضلة فى كتابه "الجمهورية " ، وكما تخيلها الراهب تومازو كمبانيلا فى كتاب "مدينة الشمس" ، فقد تخيلها أيضا بيكون فى كتابه "أطلنطس الجديدة".
كان هدف بيكون وضع الشكل الأمثل للمدينة والتشريع لكن وجد أن ذلك يحتاج إلى وقت طويل ، واعتقد أن معرفة الطبيعة أيسر وثمار هذه المعرفة أقرب ، فاتجه إلى العمل فى ذلك الاتجاه ، من هنا كانت الحكومة فى مدينة بيكون علمية وليست سياسية فكانت أشبه بكلية أو معهد سماه " بيت سليمان " تنقسم إلى ثمانى مجموعات لكل مجموعة عمل معين فى سلسلة التجارب والاستخلاص فى معرفة الطبيعة والسيطرة عليها ووضع الملاحظات والمبادئ العامة .
فهى حكومة اختلفت فى تشكيلها وكذلك فى أهدافها حيث أن هدفها هو السيطرة على الطبيعة فيقول بيكون أن هذفها هو : " معرفة علل الأشياء وحركاتها الغامضة ، وتوسيع حدود مملكة الإنسان ليمتد تأثيره إلى كل الأشياء الممكنة " .
وهى تحققت على نحو قريب مما تخيله بيكون ، فى صورة جمعية علمية هى الجمعية الملكية التى تأسست فى إنجلترا عام 1645 ، وهى سبباً رئيسياً فيما حققته أوروبا منذ القرن السابع عشر حتى اليوم ، حيث مضوا فى إخضاع الطبيعة بكل وسائل المعرفة التى بلغوها ، حتى جعلوا من أوروبا مكانا يزخر بأبهى نتاج العقل من فن وعلم .
على الرغم من اختلاف مدينة العلم تلك عن المدينة بالمعنى السياسى ، إلا أن السياسة عند بيكون لا تنفصل عن العلم والفلسفة ، فكما لا يمكن أن نلجأ إلى الطبيب الذى يعتمد على الخبرة والممارسة فقط دون معرفة أسباب المرض وتركيب الجسم وطريقة العلاج الصحيح ، كذلك لا يجوز أن يدير شئون الدولة عند بيكون من يعتمدون على الممارسة فحسب وإنما يجب أن يكون بينهم أهل العلم ويشير هنا إلى أباطرة الرومان الذين كانوا يعهدون بأمور الدولة إلى أهل العلم .
ويؤكد بيكون على ضرورة القوة الحربية فى الدولة كذلك يرى أن الدولة عندما تتحول إلى امبراطورية يجب أن تمنح الأجانب حق المواطنة حتى لا تثقل المستعمرات كاهل الدولة كالفروع الثقيلة على الأشجار ، ومنح الحرف اليدوية للعامة من الأهالى .
وأخيرا فإن بيكون تأثر بميكيافيللى فى أسلوب الحكم واختيار المستشارين والتعامل مع المجالس الإستشارية ... إلى أخره من أساليب الأمير .

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا