تعرفنا في موضوع
سابق على أشهر المغالطات المنطقية، في هذا الموضوع نتعرف على مغالطات
جديدة:
الألفاظ الملقمَة
أمثلة:
- يدعي السيد فلان أن التصدير سوف يؤدي إلى
ارتفاع الأسعار (كلمة "يدعي" تفترض ضمنًا أن ما يقوله السيد فلان لا
أساس له من الصحة).
- كل عاقل في هذا البلد يعرف أن الإجراءات
المتخذة لا تصب في مصلحة المواطن. (كلمة "عاقل" قد صادرت بصواب العبارة
المطروحة).
- ألست متأثرًا بالقضية "العادلة"
التي يناصرها آلاف المتظاهرين "الواعين"؟
الحجة السديدة
تتطلب أن يبذل المرء جهدًا واعيا كي يصوغ حجته صياغة محايدة قدر المستطاع، بحيث
تقف حجته على قدميها ولا تتوكأ على عكازات انفعالية مقحمة عليها ومن غير جنسها.
سرير برُوكرُست (البروكروستية)
كان بروكرست في
الميثولوجيا اليونانية قاطع طريق يعيش في أتيكا، وكانت له طريقة فريدَة في التعامل
مع ضحاياه، فقد كان يستدرج ضحيته ويضيّفه ويكرم وفادته، وبعد العشاء يدعوه إلى
قضاء الليل على سريره الحديدي الشخصي، (هناك من يقول أنه كان يختطفهم ويجبرهم على
الأستلقاء على السرير، لكن ما هو يهم هو الجزء التالي من الأسطورة)، ويصر على أن
سريره سيناسب مقاس الضيف/الضحية، وبمجرد ما يستلقي الضيف حتى يبدأ بروكروست في
ربطه بأحكام ويشد رجليه، فإن كان قصيرًا
بدأ في مطهما إلى حافة السرير ولا يهمه إن أنخلعت الأطراف أو مات الضيف فالأهم هو
أن يتناسب طوله مع طول السرير، أما إن كان أطول فيشرع في بتر أطرافه ليفصل منها ما
تجاوز السرير. وظل الحال على ما هو عليه حتى لقي جزاءه على يد البطل الإغريقي
ثيسيوس الذي أخضعه لنفس المثلة، فأضجعه على السرير ذاته وقطع رقبته لينسجم مع طول
سريره.
يشير مصطلح
"سرير بروكرست" أو البروكرستية إلى أية نزعة إلى فرض القوالب على
الأشياء أو الأشخاص أو النصوص أو لَيّ الحقائق وتشويه المعطيات وتلفيق البيانات
لكي تنسجم قسرًا مع مخطط ذهني مسبق، إنه القولبة الجبرية، والتطابق المعتسف،
والإنسجام المبيَّت. (كما يفعل دعاة الإعجاز العلمي في القرآن أو في الأنجيل).
أمثلة:
البروكرستية التأويلية: هي فرض توقعاتنا وتحيزاتنا المسبقة على
النصوص دون مراجعة لهذه الإسقاطات.
البروكرستية السياسية: هي صب المواطنين جميعًا في قالب واحد.
بروكرستية البحث العلمي: كلما طال الأمل على البحث الأكاديمي ترسخت
فيه معايير معينة للدراسة، تتحول في النهاية إلى " سرير بروكرستي" علينا
أ، نطوع له علمنا وننتقي ملاحظاتنا وبياناتنا بحيث تفي بالمعايير وتأتي على مقاس
السرير.
دأبنا جميعًا
في حياتنا اليومية كما في صعيد العلم أن نقاوم أي تغيير في النموذج المعرفي
الأساسي، فكلما تراكمت المعرفة لدى الأفراد وترسخت نظرياتهم فإن ثقتهم بهذه
النظريات يتعاظم ويكتسبون مناعة ضد أي نظريات جديدة لا تعزز النظريات السابقة،
فقلما اتفق لتجديد علمي هام أن يشق طريقًا هينًا سلسا ويحمل مناوئيه على التخلي عن
نموذجهم والتحول إليه طواعية واقتناعا.
أترك تعليقا