القصد من وضع كتاب
"تبسيط الفلسفة" أن يكون منهجا للدارسين المبتدئين في الفلسفة،
الذين يجهلون كل شيء عن الفلسفة. بل أحيانا تثير فيهم هذه الكلمة شعورًا
غامضا بالرهبة والخوف: من صعوبتها وتعقيداتها، وتطرف الآراء فيها، على خلفية من
الأفكار المسبقة المتداولة عند العامة عن الفلسفة.
ولهذا روعي فيه التبسيط
والعمومية، بما يتناسب مع مبتدئ، ليس فقط يجهل الفلسفة، بل أحيانا لديه
انطباع سلبي مسبق عنها. وقد استبعد الكاتب قدر الإمكان – إلا للضرورة القصوى – أي
إشارة للمذاهب وآراء الفلاسفة. حيث يرى أن اصطدام الدارس منذ أول لقاء بالفلسفة
بالمذاهب وتشعبها وأختلافاتها، وبالفلاسفة وكثرتهم وتناقضاتهم، قد يجعله في حيرة
من أمره، ويضيع عليه معرفة الفلسفة التي تنتسب إليها هذه المذاهب وهؤلاء الفلاسفة.
ويرى الكاتب أن
مهمة تدريس الفلسفة هي حث فكر المبتدئ ليفكر ويفهم، إن هدفها هو غرس الحس
النقدي فيه، فلا يقبل ولا يرفض إلا ببرهان واضح، لا أن يحوله إلى ببغاء يجتر قائمة
بأسماء الفلاسفة ومذاهبهم ويردد أفكارهم. إن الهدف من تدريس الفلسفة هو
تربية استقلالية فكرية عند الدارس، فاختلاف الآراء والمذاهب لا يقدم لكي يشل تفكير
الدارس. بل لكي يبرهن له على أن الحقيقة ليست ملك أحد في الماضي ولا في الحاضر،
ولم يقل فيها أحد الكلمة الأخيرة. وهي بهذا مقدمة ضرورية للعلوم لأنها تدمر الجمود
والتبعية والتلقي والببغاوية.
لذلك تدرج الكاتب
في مراحل ثلاث:
مرحلة
أولى: مبسطة عامة تعنى بالفلسفة وموضوعاتها، واهتماماتها، دون الخوض في
تفاصيل تربك وربما تضلل المبتدئ، وهذا هو هدف كتاب "تبسيط الفلسفة".
مرحلة
ثانية: تتناول بشكل عام المذاهب، على الأقل الرئيسية – فحصرها ليس بوسع أي منهج
دراسي- في الفلسفة، مع التركيز على ما هو عام في المذهب، وتفادي الخوض في
تفاصيل فلسفات فلاسفة كل مذهب.
مرحلة
ثالثة: فيها يمكن الخوض في آراء الفلاسفة. عند الوصول إلى هذه المرحلة، مرورا
بالمرحلتين السابقتين طبعا، يكون الدارس قد ألم بما هي الفلسفة في العموم
ثم بمذاهب الفلسفة، فتكونت لديه قاعدة معرفية تمكنه من مواجهة اختلافات
الفلاسفة وتناقضاتهم. ويصير مفهوما لديه ما كان يعتبره ربما شطحات وتهويلات.
لقد حاول الدكتور رجب
بو دبوس في هذا الكتاب التبسيط إلى الحد الأقصى، والعمومية قد الإمكان،
واستخدام لغة قريبة قد الإمكان من لغة المبتدئ، متفاديا ذكر الفلاسفة والمذاهب إلا
إذا كان ذلك للضرورة القصوى (ذكر مثلا أرسطو وأفلاطون)، آملا أن لا يجد فيه المبتدئ مدخلا مناسبا ليعبر إلى
الفلسفة. إنه تبسيط الفلسفة.
اقتباسات من الكتاب:
1- الفلسفة عمل العقل لحل مشكلات، أو الإجابة على تساؤلات، أو فك ألغاز الحياة
والوجود من زاوية كلية وليس جزئية.
تبسيط الفلسفة، رجب بودبوس، الفصل الأول، ما الفلسفة؟،
ص:17
2- العقل الإنساني تواق لأن يعرف مهما
عانى من مشاق. ولهذا لا يتناقض البحث الميتافيزيقي بالضرورة مع الأديان، لأنه إذا
كان ما تطرحه الأديان حقيقة، فلماذا الخوف من جهد العقل للكشف عنها؟
تبسيط الفلسفة، رجب بودبوس، الفصل الثاني، 2- ما بعد
الطبيعة، ص: 45.
3- يذهب بعض الفلاسفة إلى أن المنطق
طبيعي في الإنسان لا يحتاج إلى تعلم أو اكتساب، فكل إنسان يفكر تفكيرا منطقيا بغض
النظر عن تعليمه أو مستوى حياته أو عرقه. بينما يذهب آخرون إلى أن المنطق أمر
مكتسب يتعلمه الإنسان ويؤثر فيه، بناء على ذلك التعليم والمستوى المعيشي. ويبدو من
المنطقي أن المنطق فينا أكثر طبيعيا منه مكتسبا بدليل أن كل إنسان يدرك أن الشيء
هو هو، وأن جاره لا يمكن أن يكون هو وليس هو...
تبسيط الفلسفة، رجب بودبوس، الفصل الثاني، 3- فلسفة
الإنسان، ص: 90
أترك تعليقا