تناولنا في موضوعٍ سابق تعريف الفلسفة حيث
أشرنا إلى أن الفلسفة هي ذلك النشاط الفكري او العملية التساؤلية التي نحاور فيها أنفسنا ونتحاور فيها مع الآخرين والعالم، وبالطبع
هو ليس تعريفا جامعا مانعا وإنما هو الأقرب إلينا ولكل شخص حرية تبني التعريف الذي
يناسبه بعد الإبحار في تاريخ الفلسفة والتعرف على مدارسها، لذلك سيكون
موضوع هذه الحلقة هو التعرف على مباحث الفلسفة أو فروعها بصورة عامة وموجزة
على أمل العودة لمناقشتها بعمق أكبر في فرصة أخرى.
إذن، فروع الفسلفة الأساسية ثلاثة و هي :
نظرية المعرفة، الميتافيزيقا، نظرية القيم و هناك من يضيف مبحثا رابعا هو المنطق في الوقت الذي يراه البعض آلة للفلسفة و ليس مبحثا فيها.
أول هاته المباحث الميتافيزيقا ميتافيزيكس بالأنجليزية وهي مكونة من شقين ميتا ( ما بعد) وفيزيكس ( علم الطبيعة ( فوزيس )) وأصل التسمية يعود إلى أندرونيقوس الردوسي الذي عمل على تصنيف كتب أرسطو وشرحا لكنه احتار في تسمية مجموعة جاءت في الترتيب بعد كتب الفيزيقا فسماها " ما بعد علم الطبيعة " ، ( أي المؤلفات التي تقع بعد كتب علم الطبيعة ) وبالتالي فالتسمية جاءت مصادفة فأرسطو نفسه كان يسمي هذا المبحث "الفلسفة الأولى"، و مع تطور الفكر الفلسفي أصبحت الميتافيزيقا وصفا لفرع الفلسفة الذي يهتم بدراسة طبيعة الواقع والوجود بشكل عام بما في ذلك الوجود الإلهي، وقد جرت العادة على تقسيم الميتافيزيقا إلى أربعة مباحث فرعية أولها الأنطولوجيا وهي مشتقة من الأصل اليوناني أنطوس الذي يعني الوجود فمبحث الوجود يهتم بدراسة ماهية الوجود وملحقاته من قبيل التغير، الزمان والمكان والعلاقة بينها و من الأسئلة التي يتناولها هذا المبحث نجد :
لماذا هناك شيء بدل اللاشيء؟ هل كان العدم المطلق سابقا للوجود؟ ما هي طبيعية الواقع؟ هل هو واحد أم متعدد؟ هل الوجود مادي أم روحي؟
ثم نجد الثيولوجيا ( الألهيات ) من الأصل
اليوناني ثيوس بمعنى إله ، وهي تناقش موضوع الألوهية والأدلة على وجود الله/
الآلهة وعلاقة الآله بالكون، من أسئلتها هل الله موجود؟ ما طبيعته؟ أن كان هناك
آله، لماذا هناك شر وآلام ؟
ومبحث الميتافيزيقا الثالث هو الكوسمولوجيا، من كُسموس التي تعني كون، لذلك فهي تتناول جوانب الكون كوحدة بأسرها ورغم أنها حاليا تشير إلى أبحاث الفيزيائيين لفهم البنية الكبرى للكون فإن هاته الأبحاث لم تخرجها من دائرة الفلسفة، بل، على العكس، لازالت تنفخ الروح في مناظرات قديمة العهد حول بداية الكون و تفرده و بالتالي نجدها تطرح أسئلة من قبيل: مما يتكون الكون ؟ ما هي مادته الأولية ؟ هل للكون بداية؟ و هل ستكون له نهاية ؟ إذا كان الجواب نعم سواء في الحالة الأولى أو الثاني فكيف كانت بدايته؟ و كيف ستكون نهايتها؟ هل الكون هو كل ما هناك ؟ أم أن هناك واقع مفارقا له ؟
و أخيرا هناك الأنتروبولوجيا الفلسفية، من
أنتروبوس بمعنى انسان و هي تهتم بدراسة الأنسان و ماهيته من أسئلتها ما هو الإنسان؟
ما هي مميزاته الآساسية؟ ما العلاقة بين ذهن وجسد الانسان؟ ما هو أصل الإنسان و ما
مصيره؟ و غيرها من الأسئلة من قبيل حرية الإرادة ومعنى الحياة ؟
حسنا ننتقل إلى الفرع الثاني مبحث القيم أو
الأكسيولوجيا من الأصل اليوناني لوجيا التي تعني علم أو نظرية و أكسيوس
قيمة، و منه نظرية القيم، و كالميتافيزيقا تنقسم إلى مباحث فرعية هي الأخلاق،
الجمال و الفلسفة السياسية و الإجتماعية.
تتناول فلسفة الجمال موضوع الجمال بشكل عام و بأشكال تمظهره في الفن و الطبيعة، حيث يتناول أسئلة من قبيل: ما هو الجمال؟ هل الجمال موضوعي كامن في الأشياء أنه ذاتي و نسبي يمكن في عين الرائي كما يقال؟ ما هي معايير الحكم الجمالي؟ و ما هو المعيار للتمييز بين الفن و اللافن؟ ؟ هل للفن معنى؟ و كيف يمكن أن يكون له معنى؟
أما فلسفة الأخلاق فتهتم بدراسة قضايا الخير والشر والصواب والخطأ، فهي تهتم بالأسس العامة للأخلاق، حيث تسعى لصياغة قواعد ومبادىء للسلوك الأخلاقي وذلك بالإجابة على أسئلة من قبيل ما هي المعايير التي يمكن أن نبني عليها الأخلاق؟ وكيف نميز بين الخير والشر؟ كما تبحث في تطبيقات هاته الأسس على مشاكل وقضايا أخلاقية محددة فتحاول الإجابة عن أسئلة من قبيل هل الإعدام مبرر أخلاقيا؟ الإجهاض أيضا يطرح مسألة أخلاقية صعبة: هل الإجهاض حق؟ أليس الجنين جديرا بالحماية؟ كما تناقش المشاكل الأخلاقية للتعديل الجيني و غيرها. وهناك الmetaethics أو ما بعد الأخلاق، الذي يهتم بدراسة الأخلاق المعيارية متسائلا مثلا عن إمكان قيام معرفة أخلاقية أساسا.
ننتقل إلى الفلسفة السياسية والاجتماعية وهي فرع
يدرس الحقائق المرتبطة بالتنظيم الاجتماعي خصوصا الحكومة والدولة، كما تعمل على
تقويم هذا التنظيم الاجتماعي من وجهة نظر أخلاقية، لذلك نجدها تتساءل حول أصل
الدولة والحكومة ؟ عن التقسيم المناسب للحقوق والواجبات؟ عن العلاقة بين الفرد
والمجتمع والدولة ؟عن طبيعة العدالة وكيفية
تحقيقها ؟ عن أصل القانون؟ هل هو دنيوي أم سماوي؟ وغيرها .. أسئلة لابد أن نطرحها
على أنفسنا ونحاول الأجابة عليها حتى نكون مواطنين واعين و مسؤولين.
المبحث الثالث هو نظرية المعرفة أو الابستيمولوجيا
من إبيستيمي التي تعني معرفة، وهو مبحث يعنى بطبيعة المعرفة، إمكانها، أساسها وحدود
المعرفة البشرية، كما تبحث في مواقفنا المعرفية و معتقداتنا وهل شكلناها بطريقة
صحيحة أو خاطئة، وهكذا نجد أن نظرية المعرفة تحاول الإجابة عن أسئلة من قبيل : كيف
نعرف؟ ما قيمة ما نعرف؟ ما هي الحقيقة؟ إلى أي مدى ما يمتثله الناس يشبه ما هو موجود فعلا؟ كيف
نعرف أن حواسنا لا تخدعنا؟ من خلال هذه الأسئلة نلاحظ أن لنظرية المعرفة أهمية خاصة، فقبل أن نعرف أي شيء عن أي شيء لابد أولا أن
نعرف كيف نعرف؟ و ما يمكننا معرفته أصلا؟
بالإضافة لنظرية المعرفة، نظرية القيم، و الميتافيزيقا،
نجد كذلك فلسفة التاريخ، فلسفة القانون، فلسفة الدين، فلسفة
العلوم، و كذلك فلسفة اللغة فالفلسفة نشاط فكري يسائل كل المواضيع والمجالات،
وفي الختام أعود لأذكر أن هذا مجرد تقديم عام للمباحث الكبرى للفلسفة و هو غير كاف
للإلمام بها وبإشكالياتها، لذلك يجب أن نتناول كل مبحث على حدة ونتعرف على تاريخه
وإشكالياته، لكن بعد التعرف على تاريخ الفلسفة وآراء الفلاسفة والبداية
ستكون مع الفلسفة اليونانية و تحديدا الفلاسفة ما قبل السقراطيين.
أترك تعليقا