تمثيلية السحب - سقراط أرسطوفان


لم يدَون سقراط شيئا، مع أنه شيخ الفَلاسفَة، ومعلم أفلاطون، وصاحب المدارس الفلسفية في اليونان. ولذلك يَجد المؤرخ كثيرًا مِن العناء في استخلاصِ حَقيقة مذهبه. وَهناك ثلاثة مَراجع أساسية نستقي منها فلسفة سقرَاط وآراءه:

المرجع الأول
: محاورات أفلاطون التي أجرى فيها الكلام على لسان سقراط. غير أن الصعوبة التي يواجهها المؤرخ هي أن هذه المحاورات صيغت في ثوب فني، ولا ندري أكان الغرض منها تسجيل فلسفة أفلاطون أو مذهب سقراط، حيث أنّ أفلاطون كان يلقي دروسا في الأكاديمية، وهذه الدروس التي قد تعكس فلسفته الحقيقية لم تدون. مهما يكن من شيء فقد أجمع المؤرخين المحدثون على أن محاورات أفلاطون هي أهم مصدر لمعرفة فلسفة سقراط.

المرجع الثاني: مُذكرات زينوفون، الذي كَان قائدا أو جنرالا، وَاتصَل بسُقراط، وَلَم يَحضُر محاكمته، ولكنه دُون هَذه المذكرات يُدافع فيها عن أستاذه، ويقص أخباره.
وهو مرجع يستحِق الإهتمام رغم أن بَعض المُؤرخين مثل برتراند
رَاسل يهمله، ويحط من قدره، ويتهمه بمجافاة الروح الفلسفي، وتفاهة التفكير، ولذلك لا يرجع إليه.

المرجع الثالث: مسرحية أرسطوفان المعروفة باسم "السحب" وهذه هي موضوعنا الآن، حتى نعرض الصورَة الأخرى التي ينقلهَا لنا أرسطُوفان بغَاية تشكيل صورَة عامَة عن المصَادر المتوفرَة حولَ حياة سقرَاط. ولهذا السبب سوف نلخص لك في إيجاز هذه التمثيلية.. فدعونا نتعرف على ملخصها.


[تجدر الإشارة إلى أن أفلاطون وزينوفون وأرستوفان كانوا معاصرين لسقراط.]

تبدأ التمثيلية في حجرة النوم: ستربسيادس على سرير وفيديبيدس على سرير آخر، ويتحدث ستربسيادس عن ديونه، وهمومه، وعن الحرب اللعينة، يشير في ذلك إلى حرب بيلوبونيز التي دارت من 430 إلى 400ق.م والتي جعلت العبيد أو الرقيق لا يأتمرون بأمر الأسياد. ويتحدث عن الليل وطوله وكثرة النفقات، وبخاصة النفقات على الخيل والعربات وهي السبب في أصل الديون. ثم يوقد المصباح ويحسب ما عليه من ديون وفوائد، بعضا يجب أن يدفعها لباسياس والأخرى لأمنياس. وينطق فيديبيدس وهو يحلم بالسباق والخيل فيغضب والده، إلى أن يستيقظ فيديبيدس ويجري بينهما حديث يسخط في الوالد على الزواج الذي جعله ينجب هذا الإبن.


ثم يأتي الخادم ويعلن انتهاء الزيت من المصباح فيحاول ستربسيادس أن يضرب الخادم لأنه يستعمل ذؤابة ضخمة تستخدم الزيت وتستهلكه... ينتهي الحديث بين الوالد وابنه بأن أمام الدار دار أخرى، هي مدرسة للحكمة (سمّاها أرسطوفَان "المَفْكَر" نسبَة إلى اشتغالهم بالأفكار)، فإذا دفعوا أجرا مناسبا تعلموا المرافعة في القضايا، فيكسب القضية سواء أكانت عادلة أم غير عادلة. ويسأل فيديبيدس: وما اسم هؤلاء القوم؟ فيجيب الوالد: إنهم يفكرون. فيقول الإبن: لعلك تعني هؤلاء الحفاة الدجالين مثل سقراط المسكين؟ فكأنه يصوره في زي بائس. ثم يسأل الإبن وماذا يتعلم عندهم فيجيب الوالد: نتعلم صناعة المغالطة حتى لا ندفع الدين. فيأبى فيديبيدس.

سقراط أرسطوفان
بعد رفض الأب، يذهَب ستربسيادس بنفسه إلَى المدرسَة فيجد مَجموعَة من التّلاميذ بعضُهم ينظرُ إلى الأرْض والبعْض الآخر يَنظر إلى السمَاء، وتبدُو وجوه التلاميذ شاحبة، كما أنهم متسِخُون ويرتدون أسمالا بالية وحفاة الأقدام، ثم يرى سلّة معلقَة في السّقف فيهَا شخص مَا وبَعد أن يسأل عمَن يكُون يأتيه الجَواب بأنه سقرَاط يسبح في الهَواء ويتأمل الشمس، فيَقُول ستربسيَادس: "مِن هذه السلّة تستطيع أن تحكم على الآلهة؟" فيجيب سقراط بأنه يمزج نفسه بالهواء، هذه المادة اللطيفة، حتى يستطيع أن ينفذ إلى حقائق الأمور السماوية.


يخبر الأب سقُراط أنّه يريد أن يتعلم الكلام لمواجهَة الدائنين، ثم يقُول "علمني يا سقراط، وسأدفع لك الأجر بحق الآلهة"، يجيب سقراط : "ليست الآلهة عُملة مقبولَة لدينا". فيسأله: "بماذا تريدني أن أقسم؟" ليتّضح أن سقرَاط يقسم بالهواء وبالسحب، فيدور بينهما حوار يبين فيه سقراط طبيعة السحب ودورها وأن آلهة اليونان ليست سوى أساطير، وأنّ زيوس ليس له وجود. ثم ينتقلان إلى موضوع آخر حيث يعود الأب لطلب تعلم صناعة الكلام للتخلص من الدين فيسأله سقراط عن عقله وعن قوة ذاكرته، وبناءً على أجاباته يقترح عليه سقراط أن يتعلم النظم والقافية والوزن، ومن الحديث عما سبق ينتقلان إلى مبحث في اللغة... بعد عدّة حوارات بين الإثنين يتضح لسقراط غباء ستربسيادس، فيستعطفه هذا الآخير باسم الآلهة أن يعلمه، فثار سقراط لبلادته وعدم تذكره لما تعلمه (فكما سبقت الإشارة سقراط لا يولي أية أهمية للقسم بالآلهة)، فنصحه التلاميذ أن يذهب ويرسل إبنَه.

يعود الأب ويحكِي ما وقع معه لابنِه الذي سخر منه، فيذهب معه عند سقراط ويدفع له كيس قمح كأجرة لتعليم ابنه ... عمومًا وحتى لا نطيل في تلخيص المسرحيَة (
التي يمكن تحميل نسختها الإنجليزية من هنا)، ما يهمنَا من المسرحيَة هو كون سقراط واحد من السفسطائيين، يتقاضى أجرة على تعليمِه وله مدرسة خاصّة به، كما أنه لا يعتقد بوجود الآلهة اليونانية، هذا بالإضافة إلى أن من سيقرأ المسرحية سيكتشف أن سقراط أفسد هذا الشّاب بتعاليمِه لدرجَة أنه أساءَ فيما بعد لوالده.

وقد تكون هذه المَسرَحية هِي السّبب في الاتهَامات التي وجهَت إلى سقرَاط، حيث نجِد سقراط مفسدًا لعقول الشّباب وغيرَ مؤمنٍ بالآلهَة كما تقول الأتهامات التي وجهت له.

هل هذا هو سقرَاط التاريخي؟ لا ندرِي فرغم أن المسرحيَة هزلية فلابد أنها تحتمل شيئا من الصدق لكن الهدف الفكاهي قد يؤدّي إلى تشويه الصّورة لدرَجة تحميل غير الحقيقَة.

مَا رأيُكَ أنت؟

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا

:)
:(
hihi
:-)
:D
=D
:-d
;(
;-(
@-)
:P
:o
:>)
(o)
:p
:-?
(p)
:-s
(m)
8-)
:-t
:-b
b-(
:-#
=p~
$-)
(y)
(f)
x-)
(k)
(h)
cheer