تستَعْمل المغَالطَة للإشَارة إلى الإستدْلال الفَاسد، أو هِي شكلٌ باطل مِن أشكَال الإستدلال، ومن المهِم لكل مَن يُريد أنْ يفكّر نقديًا ويعتمِد
التفكِير المنطِقي السلِيم، أن يدرُس هذه المُغالطات
المنطقية حتى يكون قادرًا علَى اكتشافِها من جهَة و حتَى لا يقَع فيهَا من
جِهة أخرى.
والآن نتعرف على أهم المغالطات المنطقية وأولها:
- مغالطة رجل القش
أولَى هذه المغَالطات المنطقية، و
أشهَرها، هي التي تحْمِل إسم " مغالَطة رجُل
القش Straw Man Fallacy "، و مفادهَا أن
الشّخص يقُوم بتحرِيف كلامِ محاورِه، يقتطعُ منه عن قَصد، أو يخترِع كلامًا سخيفًا
و ينسبُه إلى خصْمه، فيرد على هذا الكلاَم ( المحرّف، المقتطَع أو المنسوب إلى
المحَاور) بدلَ أن يردّ على الكلام الحقيقِي. ومنه أخذَت المغَالطَة إسم "رجُل القَش" فكأن الخصْم يصنعُ فزّاعَة من القَش و يهَاجمهَا بدل مهاجَمَة شخصٍ حقيقي.
أمثِلَة :
سَعد: " إن دُعاة حقوق المَرأة ، يريدُون من
المرأة أن تتَحكّم في الرجُل، و تمشي عارِية و تمارس الجنسَ بحُرية، و تتخَلّى عن
دورِها في الإنجَاب، لذلكَ فكل كلامِهم باطل ".
تكمُن المغالطَة هنا في أن سَعد يحرّف كلاَم
دعَاة حقُوق المرأة إلَى مجمُوعَة من الموَاقف التي لا يقولُونَ بها، و يهَاجمُ هذه الإدّعَاءات التي اختلقهَا، بدَل أن
يناقشَ المواقف الحقيقيَة لمن يطالبون بحقُوق المرأَة.
زَيد: "الملحِد يقولُ أن الكون جاء من العدَم بمحْض الصدفَة، وَ رتّب نفسَه بمحْض الصّدفَة، و ظهَرت عليه الحيَاة بمحْض
الصّدفَة، و هذَا مَوقفٌ تافِه لا يقُول به عَاقِل".
في هَذَا المِثال ينسِب زَيد للملحِدينَ كلاَم
من اختراعِه، حَتى يظهرَ المُلحِد بمَظهر الغَبي، في حين أن الملحِد لا يقولُ أن
الكون جاء مِن عدَم، و لا يقول أن الكون مرتّب، و إِن قال بالترتيب فذلك نتيجَة
قوانِين فزيَائية و ليس بمحض الصدفَة، و لا يقول أن
الحيَاة ظهرَت صدفَة بَل هناكَ عمليات كيميَائية محكُومَة هي الأخرى بقَوانين أدّت
لظهُور الحيَاة. و بالتالي على زيد أن يناقِش المَواقف
الحقيقية للملحِد و لا يهاجِم مَواقف لا يقُول بِهَا
الملحِد أًصلاً.
عَمر: " يكفِي أنَّ إينشتَاين، و هُوَ مِن
أشهَر الفيزيَائيين في العَالم، كانَ ملحدًا، و الدّليل علَى ذلكَ قولهُ : 'لا أستطيع
أن أتصوّر إلهاً ذاتيّاً يؤثر بشَكل مُباشر عَلى أفْعَال الأفرَاد أو أنْ يحَاسبَ
مَخلوقَات مِن صُنعه هُو' ".
عَمْر فِي هذه الحَالة يحاوِل أنْ يُقويَ
موقفَه الذي يدَافع على الإلحَاد بتبيَان أنّ إينشتاين،
العَالم الكَبير، كانَ ملحدٌ ( وهذِه مغالطَة أخرى ). لكنّه لا يستخدِم الإقتباسَ بشَكل سلِيم. لذلك يجبُ أن نتحرّى الدّقّة في
اقتبَاساتنَا و في فهْمنَا لهذه الإقتباسَات حَتى
نتفادَى السقُوط في هذا النمُوذَج من مغالَطَة رجُل القَش.
مغالطة الإحتجاج
بالشخص
المغالطَة الثانية هي "الإحتجَاجُ بالشخص"، والتي قد تسَمى
بالتجريح أو الشخصَنة، ولا يجب أنْ نفهمَ من الشخصنَة أن مضمُون المغَالطَة هو إهَانة
أو الإساءَة إلى المحاور. فهذه السّلوكَات وإن كانت غير أخلاقية لا علاقَة لها بالمغالطَة،
فكما سبقَ و قلنَا فالمغالطَة شكل فاسد من أشكال الإستدلاَل
فهي تبدُو كمَا لو كانت برهانً منطقيا سليمًا، و غايتُنا هي التمييزُ بين الإثنَين.
تقوم مغالطَة "الإحتجَاج
بالشخص" على نقد حجج الخصم بناءً عَلى صِفة مِن صِفاته، كأن ترفُض حجّة
شخصٍ مُعين بسَبب صِفة سَيئة في ذلك الشّخص.
أمثلة:
1: -
الطبيب أحمد يَقول أنّ "التدخين مضر بالصحة".
- لكن أحمد يدخن.
- إذن التدخين ليس
مضرا بالصحة.
المفروض أن يعمل المحاور على مناقشة الفكرة الرئيسية وهي
"التدخين مضر بالصحة" بدل نفي قول الطبيب بسبب كونه مدخنا. على نفس
المنوال، فلان يقول أن الصلاة واجبة، لكنه لا يصلي ، إذن
الصلاة ليست واجبة.
2: -
فلانة تقول أن سعد تحرش بها، لكنها معروفة بعلاقاتها
الغرامية الكثيرة، لا يمكن أن يكون كلامها صادقا.
مغالطة الإحتكام
إلى السلطة
المُغَالطَة الثّالثة هي الإحتجاح
بالسلطة أو مغالطة الإحتكام إلى السلطة Appeal to authority ، وَهي التي يُسميها لُوك،
أحَد رُواد التجريبية الإنجليزية، في كتابه "دراسة في الفهم البشري"،
Argumentum Ad verecundiam فلفظ Verecundia يفيد في
اللاتينية معاني الاحترام والهيبة التي ترتبط بشخص مميز، ويتعلق الأمر في هذه
المغالطة بتلك الممارسات الحجاجية التي تستند على
السلطة، سلطة الأشخاص المعروفين بموقعهم الإجتماعي أو
بصفتهم العلمية أو أي اعتبار آخر، وَطبعًا السُّلطة لا تعتبر بديلا عن تقديم
الدليل مهما كانت مكانة الشخص.
أمثلة:
1- زيد: ستيفن هوكنج أستاذ كرسي لوكاس للرياضيات في جامعة كامبريدج وأحد كبار العلماء المشهود لهم بالنبوغ يقول أن الله غير موجود، ماذا تحتاج أكثر لتعترف بقوة موقف الملحد.
2- عمر: قال شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن حرية الفكر "أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الإعتقاد يعتقد ما يشاء من الأديان فإنه كافر، لأن كل من اعتقد أن أحدا يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد (ص) فإنه كافر بالله عز وجل يستتاب فإن تاب وإلا وجب قتله"، فهل ستعرف الإسلام خيرا من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إن الدين عند الله الإسلام !
كانت هذه أشهر المغالطات المنطقية التي
يقع فيها الكثيرون لذلك وجب توخي الحذر حتى تكون حججنا سليمة وصحيحة.
أترك تعليقا