تعرّف المادية علَى أنها اتجاه فلسفي
يرى أن المادة هي أساس الوجود، أيْ أن كل ما هُو موجود عبارة عن مَادَة ولا شيء
غير المَادّة. وهكذا فهو يتعارض مع التصورات المثاليَة التي تَعتَقد
بثنائية الروح والمادة أو التي تقول أن الروح هي كل ما هو موجودة ( المادة ما هي
إلا تجَلّي للروح/ الفكر).
ما هي المادة حسب الفلاسفة الماديين ؟
المادّة هي الجَوهر، الشيء الخام الأساسي الذي يتَكوّن منه كلّ شيء. بعبارة أخرى
يمكن القول أن المادة هي ما يبقى أثناء التغيّر. وبالتالي فالمادة هي حقيقة كونية
لا تقوم على ( تجد أساسًا لها في) الفكر، الوعي أو الرّوح.
من بين أقدم الفلاسفَة القَائلين بالمَادية، الفيلسوف
اليُوناني ديموقريطس الذي عاشَ في القرن الخَامس ق.م، حيث يقر أنّ العالم
يتكون من "ذرات"، هي عبارة عن أجزَاء صغيرة، صلبة على نَحو مطلق، غير
قابلة للقسمة، تتحرّك بسرعة حول الفراغ، وتشكّل العالم الذي نعرف بحيث أنها تتشابك
مع بعضها بسبب أشكَالها.
وقد كانت الأبيقورية أيضا من
المنظومات المادية كذلك، خصُوصًا فيما يتعلق بذلك الجانب المرتبِط بلا مبالاتها
بالأمور الدينية والروحيّة. وقد تراجَع هذا التيَار في القرون التي تَلت، حيث
انتصرت المسيحِية على التيَارات التي تدعو إلى التخلي عن فكرة الإله. لكن بدءًا من
القرن الثامن عشر، بدَأ العديد من الكتاب والفلاسفة يجرؤون من جديد عَلى طرح
مفاهيم مَادية متماسكة، ذات بعد لاديني في معظمه، وعلى التأكيد علَيها.
ومن الملاحظ أن هذا المفهُوم (المَادية)
قد ساد فروع عدّة من العلم: كالبيولوجيا التي رفضت كل غائية وأعادَت تفسير كل شيء
استنَادًا إلى مسبّبَاته الفيزيائية والكيمْيائية، أو كعلم النفس حيث صار الوعي
مجرد ظاهرة طارئَة، وصار النفساني مجردَ اشتقاق لمَا يمكن مرَاقبته فيزيائيًا ( كسيكولُوجيا
السلوك، على سبيل المثال ).
ومن المفاهيم المادية المشهورَة، المادية
الجدلية، وهي المنظومة الفلسَفية لمَاركس ولأتباعه. فهي تتعامل مع الكون ككل
ماديّ متماسك ودينامي، مؤكدة على تبادل التفاعل بين العناصر، وحيث يؤدي ترَاكم
التغيرات الكمّية إلى تغيرَات نوعية في الوجود، مما يعني، ضمن إطار هذا التوصر
للواقع، الحل التدريجي للتناقضات الداخلية كأساس للتاريخ.
من تصوّر كهَذا جاءت المادية التاريخية
كمفهوم (ماركسي) مطبّق عَلى التاريخ وإحدَى النتَائج الرئيسية للمادية
الجَدلية. لذلك نراها تركز على أهمية العامل الاقتصادي في الوجود الإنسَاني ( لأن ما يعرِّف بالإنسان عمليًّا
هو ما ينتجه من أدوَات كينُونته)، وتؤكد على أن ما يميِّز التاريخ هُو الصّراع الطبقي، النّاجم أيضًا عن العَلاقات
الاقتصَادية بين البشَر. لكن يبقَى أن هذِه البنية التحْتية الاقتصَادية لا تعيِّن تعيينًا ميكانيكيًّا تطورَ البُنى
الفوقية: فبالعكس، يجبُ التفكير في تفَاعلها المتبادل،
وذلك على الرغم من بقاء العَامل الاقتصَادي هو العَامل الحاسم في نهاية الأمر.
ومن أهم الإشكَاليات المرتبطة بالإتجاه
المادي هي أشكالية الوعي/الفكر والجسد، فغالبية الفلاسفة يقبلون بواقعية الجسم
بوصفها غير مثيرة للإشكاليات، لكن الوَعي يوجُد أيضا بشكل بيّنٍ في صورة ما، على
الأقل في حالتنا. هل يوجد إذن بوصفه كينونة مفارقة؟ نصير المادية يجيب بالنفي.
ومن الأجوبة الأكثر انتشار القول بأن العقُول توجد ولكن ليس بوصفها شيئا مفارقا للمادة
بل هي خاصية من خصائص المادة، فالعقول في هذه الحالة تتماهى مع الأدمغة.
ثمة تقابل آخر بين المادّة والحياة. فالمادة
ببساطة جوهر خامل، فكيف يتسنى لها إنتاج ظاهرة الحياة التيار المثالي يقر أن
المادة لا تستطيع القيام بذلك، وبالتالي يتوجب إضافة شيء غير مادّي للكائنَات
العضوية ، نفس أو روح. غير أن الإتجاه المادي
ينكر هذه الثنائية ويرى أن الحياة (تماماً كالوعي) خاصية منبثقة تختص بها المادة.
بعد التعرف على كل من المادية والمثالية،
أيهما أقرب إليك الأولى أم الثانية؟
أترك تعليقا