تقر الأديان الإبراهيمية الأربعة
- اليهودية، المسيحية، والإسلام - أن الله هو
الواقع الأسمى. أحيانا يرى مفكرو تلك الأديان أن الله أسمى من أن يعبر عنه
بألفاظنا البشرية عنه. كل ما نستطيع قوله هو ما ليس هو -
إنه ليس شريرا، ولا ناقصا، على سبيل المثال. برز هذا النهج، الذي يعرف باسم via negativa، في الفترة ما بين
500م، و1000، ولكن إذا كان هذا هو كل ما نستطيع قوله عن الله، لن تحتاز الأديان على محتوى يبرر الممارسة الدينية، مثل عبادة الله.
هكذا حاول معظم علماء اللاهوت من ذوي الإتجاهات
الفلسفية أن يقولوا شيئا عن ماهية الله. وبوجه
عام، اعتبر الله كائنا لا جسم له، كلي الحضور، خالق وراعي الأكوان التي قد
توجد، مطلق الإرادة والحرية، ومصدر إلزام أخلاقي، مطلق الخيرية، كلي القدرة، كلي
العلم، وجوده أبدي وضروري، ويختص وجوبا بالخصائص الإلهية سالفة الذكر. يقر كثير من
الفلاسفة (تحت تأثير أنسلم) أن تلك الخصائص مشتقة من خاصية كونه
أعظم كائن يمكن تصوره، ما يجعله يختص بكل الخصائص التي تشكل العظمة. على ذلك، ثمة سبل مختلفة ضمن كل ديانة، خصوصا المسيحية، في فهم
بعض الخصائص الإلهية.
كون الله كلي الحضور، حاضرا في كل
مكان، يعني درايته بما يحدث في كل مكان وقدرته على التأثير في كل مكان - مباشرة،
بالطريقة التي نؤثر وفقها على أجسامنا. القول بأن الله
خالق وراعي كل كون قد يوجد يعني أن وجود أي شيء يرتهن لحظة بلحظة بعناية الله.
إذا كان لوجود العالم المادي بداية ( كما تزعم الأديان
عادة)، فإن الله علتها.
يبدو أن الحكم بأن الله كلي القدرة
يعني حرفيا أن يستطيع القيام بأي شيء يشاء. ولكن كيف يتوجب علينا فهم عبارة "أي
شيء"؟ هل يستطيع الله
أن يغير قواعد المنطق؟ أن يجعل 2+2=5؟ أو
أن يجعل الشيء موجودًا وغير موجود في الوقت نفسه، أو أن يغير الماضي؟ يبدو أن
ديكارت يذهب إلى أن الله قادر على كل ذلك. غير أن
الكثير من المنظرين يقرون عادة أنه لا معنى للقول إن الله قادر على
القيام بما هو مستحيل منطقيا. في فصل
يحمل عنوان " كيف يقال إن الله كلي القدرة عاجز عن القيام
بأشياء بعينها" وهو من أحد كتب الأكويني،
يأتي الأكوني على ذكر عشرين شيئا من هذا القبيل.
كون الله كلي العلم يعني (حرفيا) أنه
يعلم كل شيء، أي كل قضية صادقة. ولكن كيف يتوجب علينا فهم ذلك؟ هل يستطيع الله
أن يعرف مسبقا السلوكات المستقبلية التي سوف تختارها
الكائنات الحية؟ هل يعلم الله ما سيفعله هو نفسه؟ هل علمه بما سيفعله ينفي حريته؟ "إذا كان الله يعلم
كل شيء منذ البدء، ويدرك أن ما سيصنعه هو كذا فكذا فكذا وعلى علم تام بالأحداث قبل أن تتواجد بكل سيناريوهاتها ومشاهدها معرفة تامة، فمن أين تأتي الحرية ؟ فالحرية
هي اختيار لحظي بين مجموعة مفردات مختلفة في
حين ينكر بعض المنظرين احتياز الإنسان على إرادة حرة،
يرى البعض الآخر أنه يحتاز عليها، لكن إن كان يحتاز عليها ويتمتع بإرادة حرة ففي وسعه أن يغير قراراته في
أي لحظة، فكيف يكون الله كلي العلم ضرورة؟ تقر
الإجابة التي يجمع عليها علماء لاهوت العصر الوسيط أنه يتوجب فهم كون الله
أبديا على أنه يعني أنه خارج الزمن. لا يلزم عن هذا أنه
يعلم كل شيء قبل حدوثه، بل يلزم أنه يعلم الحدث عبر رؤيته إياه من منظوره الواقع خارج
الزمن. ورؤية الله لقيامنا بأفعالنا لا تجعلنا أقل حرية.
الله هو مصدر الإلزام الأخلاقي بمعنى
أن أوامره وحدها هي التي تجعل أفعال البشر صائبة أو خاطئة. لكن هذا يثير معضلة
تدعى بمعضلة يوثيريو.
مُعضلة يُوثِيرْيُو
معضلة وضعها أفلاطون في إحدى محاوراته تحمل
نفس إسم المعضلة يمكن تلخيصها فيما يلي: هل الخير خير
لأن الله جعله خير أم أن الخير خير لأنه خير في ذاته- لمزيد من التفاصيل راجع
الفلسفة موضوعات مفتاحية ص 235 واما
بعدا، وقد سبق نشر الكتاب على الصفحة.
يقر البعض (كانت مثلا) أن أوامر الله
لا تُحدث فرقا نسبة إلى ما هو صائب أو خاطئ، في حين يرى آخرون (الأشاعرة مثلا) أن الشيء إنما يكون صوابا أو
خطأ نسبة إلى تلك الأوامر. ثمة موقف وسط يتخذه الأكويني
ودنِس سكوتس مفاده وجود مبادئ أخلاقية أولى غاية في
العمومية ليس بالإمكان تغييرها حتى من قِبل الله. من ضمن تلك المبادىء واجب إسعاد المحسنين. الله
هو المحسن الأعظم إلينا، ومن ثم فإن أوامره تفرض علينا إلزاما طاعته، كيفما كانت
هذه الأوامر، لكن كون الله خيرا ضرورة يجعله يحجم عن أمرنا بذلك.
يفترض أن يوجد الله 'ضرورة' ( نتحدث عن "واجب الوجود" في الفلسفة
الإسلامية ). هذا يعني عند البعض أن وجوده ضرورة منطقية، بحيث أن افتراض عدم
وجوده يعوزه الإتساق. غير أنه
يبدو أن الإلحادية مذهب متسق، حتى لو كان باطلا، لذا يفهم بعض المؤلهة كون الله
ضروريا على أنه يعني أن الله هو الحقيقة الدامغة النهائية التي ترتهن بها سائر الحقائق. عبر كل تلك السبل حاول المؤلهة طرح فهم
متسق داخليا يتوائم مع موروث الدين الغربي، في حين يقر
بعض (وليس كل) الملحدين أن كل تلك المحاولات تخفق في تحقيق غايتها.
- "دليل أكسفورد للفلسفة"، تد هوندرتش، ترجمة نجيب الحصادي.
- " الفلسفة: موضوعات مفتاحية"، لجوليان باجيني.
- مقال " معضلة حرية الله" من موقع الذاكرة.
أترك تعليقا