عاش اكسينُوفان/
كْزِينوفَ ما بين 570 و 475 ق.م، وهو واحد من الفلاسفة
قبل السقراطيين، وأول من كتب فكرًا فلسفيا بالشّعر، وفي هذا سيقلّده بارمنيدس.
ولعل أهم ما نجده عند أكسينُوفان
هو هذا النّقد المبنِي على أسس عقلية للتّراث الأخلاَقي والدّيني، وخاصة عند هوميروس،
وابتداءً من هَذا النقد ومن خلاله نجد له بعض الآراء الإيجابية. فمنهَجه يقومُ
أساسا على الجدَال.
فيمَا يتعلّق بالأخلاق يهاجم القِيم الزّائفة
التي تعلي من شَأن المَهارة الرياضية إعلاَء كبيراً، أي من شأن جمَال الجسم، وكأن
غايَة الفضيلة هي كسبُ جائزة أولمبية، وفي ذلك يقول: " ولكن 'الفائزَ' لا
يمكِن أن تكونَ له نفس القيمَة مثلي، لأن حكمتنَا هي القيمَة الأولى ومكانهَا هو
الفكر، إذن فالفكر فوق الجسم".
كما أنه لا يوصِي باتّباع
هوميروس في مَيدَان الأخلاق، حيث أنه لا يتحدّث إلا عَن المعارك بين التيتان والعمَالقة وغير ذلك من المغامَرات، وكلها أساطير
اخترعها الأولون ولا يمكن أن تكون نموذجا للسلوك، إنمَا المفروض اتباع الأفكار النبيلة "عن الفضيلة بقدر وُسع ذاَكرة
المَرء وقلبِه، فلننبتعد عن المعارك والحديث الفارغ
لملء الفراغ ولنرَاع دائمًا الآلهة والإحترام الذِي هم
جَديرونَ به" ..
فالآلهة بالنسبة له مصدَر للآخلاق . ولكِن أي الآلهة؟ ذلك أن اكسِينوفان
على خِلاف تام مع التصَوّر التفليدي للآلهَة. يقول في
إحدى شذراته "لقد نسب هوميروس وهزيود إلى الآلهَة كلّ ما يثيرُ العار والخزْي عند الناس: من
سَرقة وزنا وخدَاع متبادل"، حتى أنه ينتقد التصور الإنساني للآلهة، ويقول
في شذرة من شذراته "الفانون
يظنون أن الآلهة مخلوقة مثلهُم وأن لها ثيَابا وأصواتًا
وأجسَاما مثلهم"، ويسخر من هذا التصور ويقيس عليه أنه لو كان للبقر
وللخيل وللأسود أياد وكانت تستطيعُ الرسم بها لرسمَت
الآلهة كل بحسب فصيلته، أي البقر على شكلِ بقَر وهكذَا.
أما الحقيقة فإنها غَير هَذا: فليسَ الآلهة
ممّا يشبه البشَر، بل إنّه ليس هُناك إلا إلهٌ واحِد ولا يشبه في هيئته أي بشر،
وهو كل سمع وبصر وفكر ، وهو إذا حرك كل شيءٍ فإنّما يكون ذلك بغيرِ مجهودٍ منه وبقوّة
عقله، لأنه ثابت لا يتحرك، فلا ينتقِل من مكانٍ إلى آخر.
لاحِظ ما توصّل إليه هذا الفيلسُوف في القرْن
الخاَمس قبل الميلاد بقوة العقل وحدها في حين نجد بيننا، وبعد مرور عِشرين قرناً
تقْريبا على مَوت اكسينوفان، قلت نجد بيننا من يقع في
التجسِيم ويتصَور الإله عَلى أنّه شبيه بزُوس جالسٌ
علَى كُرسي عِملاق فوقَ - أو بعدَ- السّماء السَابعة !
وأخيراً نشير إلى رأيه في المعرفة الإنسانية، حيث
يقول أنه ليس هناك معرفة يقينية بخصوص الآلهة، وإنّما الذي يسُود هو الظّن. ورغم
ذلك فهو يدعو الإنسانَ إلى البحثِ لأنه يؤدّي به إلى الإقتراب من الأفضل (في المعرفة والسلوك).
عن كتاب "الفلسفة
اليونانية حتى أفلاطون" ،
ص: 51-53 (بتصرّف)
أترك تعليقا