أناكسيمنس

أناكسيمنس ثالث الفلاسفة الطبيعيين

كَان أنكسمَانس مثل المفَكرَين السابقين من سكّان ملطية، ولدَ حوالي عَام 588 ق.م ومَات حَوالي 524 ق.م.  ولم يبقى من كتبه هو الآخر سوى بعض الشذرات، ومنها نستخلص أنه قد اتفق مع طاليس وأنكسماندر أن المبدأ الأول للكون مبدأ مادي، حيث يرَى أنكسمانس أنّ المبدَأ الأول هو الهَواء، وهذا الهواء - مثل مَادّة أنكسِماندر - يمتَدّ دونَ حدود عبر المكَان، وهوَ أيضا سبب الحياة والفِكر. ولعلّ ما دفعه لاعتبَار الهوَاء مبدأ هو كونُ الهواء سَهل الحركة وبالتالي سهْل التغير، وإمّا أن الهواء قادر علَى الإكتفَاء بذاته بدون أن يحملَه عنصر آخر، وربمَا كان الدّافعُ أنه أراد تفسير العالم كَكائنٍ حي يخضع للموتِ والحيَاة، ويتنفّس أيضًا، فقَد كتَب ثالثُ فلاسفَة المدرسَة الملطية رسالة لَم يبقَى منْها سوى شذرَة تقول: "لمّا كَان نفس الإنسَان هو الهوَاء فإنها مبدَأ الوحدَة في كل منّا، وكذلك فإن النّفس أو الهَواء يحوي العالم كله في مَجموع، ويجعلُ منه وحدَة بالتالي".

" أناكسيمنس أقلّ أصالَة وقوّة بكثير من أنَكسِماندر كفيلسوف وكَميتافيزِيقي، ولكنّه أكثرُ أهمّية بكثير كعَالم".
- نيتشه.

ولكن أهَمّ المفَاهيم التي جَاء بها أنكسِمانس هما مفهُوما التّكاثُف والتخلخُل، وهما يكملَان نظريَة المبدَأ المَادّي الواحد، بأن يقدّما تفسيرًا لتغيّر الأشياء. التكاثُف هو مثل البرودَة المتناميَة، والتخلخُل مثل الحَرارة المتنَامية. فالهواء عندما يتكاثَف يصبح ماءً، ثم تراباً، فيتكاثفُ الترَاب ليصبِح صخوراً وهكذا .. وعندما يتخلخَل الهَواء يصبح نارًا والنارُ المتَولدَة للأعلَى على الهَواء تصبحُ نجوماً ...
عن الفلاسفة الطبيعيين:
لقد ساهم الفلاسفة الطبيعيون في تحقيق نقلة نوعية في تطور الفكر اليوناني، وذلك لأنهم ركزوا على الحقائق الحسية التي يمكن ملاحظتها عوض التركيز على الآلهة، وظهر معهم مفهوم العناصر الأربعة، وفكرة القانون، حيث أن الظواهر تحكمها قوانين ميكانيكية...
ولكن الفلاسفة الطبيعيين لم يتخلوا بشكل كلي عن الأساطير ولم يتوقف تأثيرها عليهم، كما نجد عند أنكسماندر عندما يتحدث عن الظلم والعقاب في الطبيعة، كما أنهم لم يصبوا كل اهتمامهم على الفكير التأملي النظري الخالص كما يحب أن يوهمنا البعض فقد اهتموا بالكثير من الأمور العملية والتطبيقية، وكانوا أهل عمل إلى جانب كونهم أهل نظر، وذلك ظاهر مما أشرنا له في المقالات السابقة، ومن كون طاليس وأنكسماندر لعبا أدوارا سياسية في ملطيا. كما نجد تأثرهم بمصر والشرق واضحا في أكثر من جانب خاصة في الهندسة والفلك، ومما هو ذو دلالة في هذا الصدد أنه يقال إن طاليس من أصل فينيقي، وهذا يعني على الأقل تأثره أو اتصاله الوقيق بالفينيقيين. وإذا أردنا أن نلخص أهم مميزاتهم فإننا نحصرها في النقاط التالية:

  1. هم أول من طبق الاتجاه العقلي تطبيقا واسعا.
  2. استخدموا الملاحظة وانتقلوا عن طريقها إلى الفكر، ففكرهم فكر تجريبي.
  3. ولكنه كذلك فكر فلسفي بقدر ما حاولوا الوصول إلى مبدأ واحد يتعدى الظواهر.
  4. ربطوا بين العلم والفلسفة والعمل.
  5. ربطوا كذلك بين الإنسان والحياة والمادة.


مراجع:
- الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، د.عزت قرني، 1993.
- تاريخ الفلسفة اليونانية، وولتر ستيس، تر: مجاهد عبد المنعم مجاهد، 1984.
- معجم الفلاسفة، جورج طرابيشي، 2006.
- Encyclopedia Of philosophy, 2nd edition, Donald M. BORCHERT



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

1 التعليقات:

التعليقات

أترك تعليقا