المثَالية idealism

المثالية
المثالية هي مذهب ميتافيزيقي يؤكد على مركزية الفكر أو الروح في تشكيل العالم. وهكذا فهي تتعارض مع المذهب المادي القائل بأن الفكر ليس إلا تجليا من تجليات المادة، كما أنها تتعارض مع الواقعية التي تقول أن الأشياء موجودة بمعزل عن إدراكنا لها، وهنا نتحدث عن المثالية الميتافيزيقية. ومن الممكن أن يعترف المثالي بواقعية العالم الخارجي ولكن ينفي إمكانية معرفته حينها نتحدث عن مثالية إبيستيمولوجية (معرفية).

ميز الفيلسوف التجريبي جون لوك (1632 - 1704) بين صفات الأشياء الأولية وصفاتها الثانوية. الصفات الأولية هي الشكل والحجم والصلابة والعدد والحركة، وهي صفات جوهرية مرتبطة بالشيء ذاته، في حين أن الصفات الثانوية كاللون والملمس مرتبطة بطبيعة المدرِك. فما أراه أزرقا قد يراه غيري ( إنسان أو حيوان ) بلون آخر، والشيء الدافىء سيكون ساخنا بالنسبة ليد باردة و باردا بالنسبة ليد ساخنة ... وقد كان موقف لوك موقفا واقعيا، فالأشياء بصفاتها الأولية موجودة بشكل فعلي مستقِلّة عن إدراكنا لها، أما الصِفات الثانوية فهي التي تتأثر بإدراكنا.

لكن جورج بيركلي (1685 - 1753) عمم موقف لوك منَ الصفات الثانوية وقال أنه يشمل أيضا الصفات الأولية، فالأشياء لا توجد إلا إذا أدركنا وجودها من خلال إحساساتنا وأفكارنا، فلا يمكن الحديث عن الشكل أو العدد بدون خبرة حسية، وإذا أزلنا الخبرة الحسية فلن يبقى هناك شيء، وبالتالي فالأشياء لكي توجد يجب أن تكون مدركة وهذا هو مبدأ بيركلي، «  esse est percipi » " ليس موجودًا سوى ما يُدرَك ". وبما أن الإدراكات الحسية توجد هي الأخرى في العقل فيمكننا القول أن كلّ ما هو موجود يوجد في العقل فقط !

يقول بيركلي أن هذا الموقف يتفق مع الحس السليم، فحسب هذا الموقف فنحن ندرك الأشياء إدراكا مباشرًا، لكن الموقف المادي يقول أن ما ندركه بشكل مباشر هو الصور/الأفكار التي ينتجها العقل انطلاقا من الخبرات الحسية، وهذا الموقف يفتح الباب أمام الشك في ماهية هاته الأشياء، هَل ادرَكناها كما هي في الواقع أم لا؟ هل المربع مربع فعلا أم أن عقلي جعل من شكل ما ( سداسي مثلا) مربعا ؟ وهكذا يرى بيركلي أن الموقف المادي موقف إشكالي في حين أن الموقف الذي يتبناه أكثر تماسكا فما ندركه من أفكار هوَ ما هُو لأنه أفكَار فقط ولا شيء غير ذلك!

لكن هل يعني ذلك أن الأشخاص والأشياء يختفون بمجرد أن يختفي إدراكي لها؟ يجيب بيركلي أن العالم لا يختفي لأن الله يدركه.

قد تبدو لنا مثالية بيركلي سخيفة، خصوصا مع تراجع المذاهب المثالية لصالح المذاهب المادية، لكن الفلسفة المثالية قد ساهمت في تطور مجالات فكرية مختلفة (الفلسفة الألمانية في القرن الثامن عشر، الفيزياء الحديثة، الفينومينولوجيا، علم النفس وحتى اللسانيات..ونظرا لأن التقديم مبسط وقد يكون مخلا لابد من البحث والمزيد من الإطلاع قبل إصدار أي حكم على الفلسفة المثالية و قيمتها.

المثالية وفيلم الماتريكس

تذكرنا مثالية بيركلي بفيلم الماتريكس، فالعالم الافتراضي الذي يعيش فيه الناس غير موجود فعليا لكن الناس يعتقدون انه حقيقي، لكن إذا فصلت دماغ الانسان عن الالة اختفى إدراك ذلك الإنسان للوجود، لكن الوجود نفسه لا يختفي، لماذا؟ لأن الآلة تدير البرنامج. فكذلك الوجود فحتى لو اختفى وعي أحدنا ولم يعد يدرك العالم فهذا الأخير لا يختفي لأنه مدركٌ من طرف الله.


عموما تبقى هذه مجرد إطلالة بسيطة على مثالية بيركلي، وهو من أشهر المثاليين، لكن يجب أن ننتبه إلى أن مصطلح "مثالية" لا يحمل نفس الدلالة دائما، بل إنه يختلف من فيلسوف لآخر فمثالية الفيلسوف كانط تختلف عن مثالية بيركلي وكلتاهما تختلفان عن مثالية هيجل مثلا...

وجود العالم من عدمه مبحث مثير في الفلسفة، وجودنا يبدو بديهيا لكن من الصعب إثبات أننا موجودون فعليا، ولسنا مجرد برنامج في آلة أو شخصيات في حلم إله ما!



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا