يرتد معيار الفصل الذي ينطوي عليه المنطق الاستقرائي إلى
الشرط التالي: ينبغي أن يكون في إمكاننا أن نعرف معرفة نهائية صدق وخطأ عبارات
العلم التجريبي بأكملها (أو العبارات ذات المعنى جميعها). ونحن إذ نؤكد بأنه ينبغي
أن يكون في إمكاننا أ، نحسم في صدق تلك العبارات أو خطأها حسما فإننا نعني بذلك
أنها ينبغي أن تصاغ بصورة تمكننا، منطقيا، من أن نتأكد من حتها بقدر ما تمكننا من
أن نتأكد من خطأها.
والحال أن ليس في هذا، على ما أعتقد، ما يشبه الاستقرار.
بناء على ذلك فمن غير المقبول منطقيا، في نظرنا، استنتاج نظريات انطلاقا من عبارات
مفردة "أثبتت التجربة صحتها" (مهما كان معنى ذلك). ليس في إمكان
النظريات أن تكون أبدا موضع تمحيص تجريبي. وإذا ما أردنا أن نتفادى الخطأ الوضعي
الذي يستبعد، بدعوى استخدام معيارنا في الفصل بين الخطأ والصواب، المنظومات
النظرية للعلم الطبيعي، علينا أن نأخذ بمعيار يمكننا من أن نقبل ضمن مجال العلم
التجريبي العبارات التي لا يمكننا أن نتأكد من صحتها.
وبالرغم من ذلك، فإننا نسلم بأن المنظومة
لا تكون تجريبية أو علمية، إلا إذا كان في إمكانها أن تخضع لفحوص تجريبية. وفي هذه
العبارات ما يومئ إلى أن قابلية التفنيد لا قابلية التحقق، هي التي ينبغي أن تؤخذ
معيارا للفصل. وبعبارة أخرى، فنحن لا نتطلب من المنظومة العلمية أن تختار اختيارا
نهائيا وتقبل قبولا نهائيا بمعنى إيجابي، وإنما نشترط في صورتها المنطقية أن تكون
بحيث تميز، عن طريق فحوص تجريبية، فتقبل قبولا سلبيا، ومعنى ذلك أن المنظومة التي
تنتمي إلى العلم التجريبي ينبغي أن يكون في إمكان التجربة أن تفندها.
(وهكذا فالعبارة: "قد تمطر السماء هنا
غدا أو لا تمطر" لن تعتبر عبارة تجريبية، لسبب بسيط وهو أنه لا يمكن تفنيدها،
على عكس العبارة التي تقول "ستمطر السماء هنا غدا" التي ستؤخذ على أنها
عبارة تجريبية).
1 التعليقات:
التعليقاتكارل بوبر فيلسوف معياري رائد ، شكرا لهذه المدونة الجميلة
ردحامد السعيدي /شاعر وروائي
mykabasat.blogspot.com
أترك تعليقا