العبودية الطوعية





توفي إتيِين دو لابويسيه (1530-1563) في سن مبكر، كان عمره 33 سنة، وقد خلفت وفاته حزنا عميقا في نفس صديقه مونتينْيْ. ومن أشهر ما تركه كتاب "مقالة العبودية الطوعية" / "مقالة في العبودية المختارة" (1547 أو 1548). كان هذفه هو نفس هدف معاصره ميكيافيلي: تعرية مصادر السلطة. ولكنه يراقب الوضع من جهة الشعب لا من جهة الحاكم. في البداية يتساءل حول مصدر خنوع الناس لسيد واحد يكون طاغيا أحيانا، ومن الواضح بالنسبة للا بويسييه أن الطغيان السياسي والعبودية ليس أمرا طبيعيا على الإطلاق، حتى أن الشعب من خلال عدد أفراده وقوته هو القادر على قلب الأوضاع لصالحه. وبالتالي يتساءل كيف نفهم هذا الرضوخ لسلطة الحاكم؟

مقالة في العبودية المختارة


اقتباس
" أود الآن أن أدرك فقط كيف أن عددا من الناس، وعددا من البلدات وعددا من المدن وعددا من الأمم، تعاني الأمرين أحيانا على يد طاغية واحد، لا يملك من القوة سوى تلك التي يمنحونه إياها، والذي ما من قدرة لديه على الإضرار بهم إلا بمقدار ما يريدون هم أ، يقاسوا. والذي ما كان بوسعه إلحاق أي أذى بهم لولا أنهم يفضلون تقبل كل شيء منه بدلا من معارضته. لا ريب أنه أمر مذهل، ومألوف جدا مع ذلك، حتى ليثير الألم أكثر مما يبعث الدهشة، لدى رؤية ملايين وملايين من الناس رازحين في العبودية والشقاء وأعناقهم تحت النير، وليسوا مرغمين بفعل قوة قاهرة لكنهم (على ما يبدو) مفتونين ومسحورين بفعل إسم فرد واحد، ليس عليهم أ، يخشوا قدرته، لأنه وحيد، ولا أن يحبوا مناقبه لأنه عديم الرأفة بهم ومتوحش..." ( مقالة العبودية الطوعية، إتيان دو لا بويسي، ترجمة: عبود كاسوحة، ص 147).


يقدم لا بويسي مجموعَة من المبررات: التقاليد، المعتقدات والسلبية التي تجعل الناس يعتقدون أن وضعهم هذا وضع طبيعي، أن هذه هي طبيعة الأمور وأنهم لا يستطيعون تغييرها. و من العوامل التي تساهم في تكريس الوضع، الإعجاب الشديد بالقائد وبتجليات سلطته، فالشعب إذن يتحمل جزء كبيرا من المسؤولية على الحالة التي وضع نفسه بها، حالة "العبودية الطوعية". كما يؤكد لابويسي على نقطة أخرى وهي مهمة: الحاكم يعرف كيف يقسم الناس لكي يحكمهم. فهو يحسن استثمار الإنقسامات الداخلية للشعب، يجود على البعض بامتيازات كثيرة وشيء من سلطته...



من خلال إبراز بعض مصادر السلطة التي تنبع من الشعب نفسه، يدعو لابويسي هذا الإخير إلى أن يستيقظ ويتخلص من القيود التي تكبله. فالشعب وحده يملك القرار، له الخيار في "أن يكون عبدا أو أن يكون حرًا"، "أن يتخلى عن الحرية أو أن يستسلم للنير"، "أن يقبل الأذى، أو أن يواجهه". لا يجب أن نفهم من ذلك أن لابويسيه يدعو إلى الثورة أو العنف فهو يقول: " ليس ما يدعو إلى محاربة الطاغية، ليس ما يدعو إلى خلعه" (نفسه، ص:151)، كما يقول: "لا أريدكم أ، تقلبوه أو أن تزعزعوه" (ص:154). فلابواسيه يرى أن يجب أن يسلك دورب القانون ممهدا بذلك للنظريات التعاقدية للسلطة، فكما أن الشعب يصنع عبوديته فهو قادر على صنع حريته وذلك بالتوقف عن تبجيل الطاغية وبالكف عن خدمته ودعمه والتخلي عنه ليجد نفسه وحيدا ويفقد مشروعيته " كونوا مصممين على الكف عن خدمته من بعد، وها قد بتم أحرارا" (ص:154). 

تحميل كتاب " مقالة العبودية الطوعية "،
تحميل كتاب مقالات في العبودية المختارة

ترجمة عبود كاسوحة،  المنظمة العربية للترجمة.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا