الميتافيزيقا أو ما بعد الطبيعة

الميتافيزيقا metaphysics
إنّ ارسطُو أول من توصّل إلى وجود مجموعَة من المسَائل لا تدخُل في أيّ علم منَ العلُوم، سواء الطّبيعيّة أو الريَاضيّة أو الأخلاَقية أو الإجتماعية أو المنطقية، و لابدّ من عدّها ضمن علم مستقل، و قد يكُون أول من أدرَك أن " الموجود بما هو موجُود" هو المحوَر الذي يجمَع حوله هذه المسائل بوضفها عوَارض و أحوالا له، و ربّما يكون أول من اكتشفَ أن الرابط بين مسَائل كل علم و مميّزها من سائر مسائل العلُوم الأخرى هو ما يسمّى ب"الموضوع" لذلك العلم.
و قد توسعت بالطّبع مسَائل هذا العلْم في مَا بعد، فأضيفت إليه - كأي علمٍ آخر- بحوث كثيرة، و سيتّضح ذَلك في ما لو قَارنت بين مَاوراء الطّبيعة لـ'أرسطو'، و مَا وراء الطّبيعة لـ'ابن سينا'، وسيزدَاد الوضُوح لو قارنته بمَا وراء الطّبيعة لـ'صدر المتألهين'، و مهما يكن من شيء فإن أرسطو هو أوّل من اكتَشف هذا العلم بوضفه علما مستقلاٌ، و أفردَ له مكانا بينَ العلوم الأخرَى.
إلاّ أنّ أرسطو لم يعَنون هذا العلم بعنوان مخصوص، حتى جمعت مؤلفاته بعد ذلك في موسُوعة علمية، فوَقع هذا العلم في الترتيب بعدَ الطّبيعيات، فعُرف بـ'الميتَافيزيقَا' أي: ما بعدَ الطبيعَة.
ثم جُهلت هذه الحَقيقة تدريجًا، فتُوُهِّم أنّ سبب تسمية هذَا العلم بـ'ما بعدَ الطّبيعة' أن مسَائله أو بعض مسائله - من قبيل: الله سُبحانه، و العقُول المجرّدة – خارجَة ن الطبيعَة، و لذلك أشكَل ابن سينا عَلى تسمية هذَا العلم بـ'ما بعدَ الطّبيعة' داعيا إلى تسميتهِ بـ' مَا قبل الطّبيعة'، ذلك لأن وجود الله سبحانه قبل الطّبيعَة لا بعدَها.
ثمّ أوقَع الخطَأ اللفظي و النّاشئ من التّرجمة بعضَ المتفلسفينَ المحدثين في خطَأ معنَوي، فقد تصوّر جمعٌ غفيرٌ من الغربيين أن كلمة 'مَا بعد الطّبيعة' مساويَة لـ'ما وراء الطّبيعة'، و أنّ موضوع هذا العلم أمور خارجة عن الطّبيعَة، في حين أن موضُوعه - كما علمنَا - يشتمل على الطّبيعة و ما وراءها و كل ما هو موجُود، و نتيجةُ هذا الخطأ أنهم عرّفوا 'الميتافيزيقَا' خطأ بـ 'علم يبحثُ عن الله و الأمور المجَرّدة عن المَـادّة '. 

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا