إبيكتيتوس الفيلسوف الرواقي

يعد إبيكتيوتوس أحد أشهر ممثلي الفلسفة الرواقية المتأخرين، هو الفيلسوف الروماني ولد عبدًا، وإبيكتيتوس ليست إسمًا وإنما هي لقب يعني "الشخص المُشترى" أو "العبد"، وكان سيده يحمل إسم إبّافروديت وهو سكريتير الإمبارطور نيرون (جاء في الويكيبيديا أن إبكتيتوس كان عبدا لأفروديت عشيقة نيرون !)، ورغم أن هذا الأخير كان شديد القسوة أحيانًا إلا أنه قد قدم لإبيكتيتوس معروفا حيث قدم له تعليمًا فلسفيا،والتعليم حينها كان امتيازا. وكان يرسله للإستفادة من محاضرات موسونيوس روفوس وقد كان فيلسوفًا رواقيا بارزًا حينها، وقد تكرم عليه إبافروديت بأن منحه حريته تزامنا مع حصوله على لقب فيلسوف. وبعدمَا حصل على حريته أصبح مواطنا رومانيا وفتح مدرسة لتعليم فلسفته، وعاش حياة بسيطة تتسم بالوحدة.


ولكن حياته البسيطة والهادئة لم تدم طويلا حيث أن الإمبراطور دوميتيان قد أصدر قرارا يقضي بطرد الفلاسفة ، مما اضطر إبيكتيتوس إلى الهجرة نحو اليونان حيث استقر بِنيكوبوليس، وأسس مدرسة هناك، وصار يستقبل طلاب من الطبقة الأرستقراطية الرومانية فحصل على شهرة كبيرة.

لم يخلف إبيكتيتوس كتابًا، شأنه في ذلك شأن الفيلسوف اليوناني سقراط، وقد نقلت إلينا أفكاره عن طريق تلميذه فلافيوس آريانوس.

الذي يميز إبيكتيتوس كواحد من أهم الفلاسفة الرواقيين هو أنه كان صارمًا في تطبيق تعاليم الرواقية، حياته كانت صورة صادقة لفلسفته. كانت حياته كما أشرنا حياةً بسيطة، وكان إنسانًا خيرًا وصبورًا.
وقد نقل لنا تلميذه فلافيوس آريانوس، كتابين لإبيكتيتوس: "الأحاديث" و"المختصر"، والكتاب الأول يتكون من ثمانية أجزاء لم يبقى منها سوى أربعة، وهو عبارة عن خواطر أخلاقية ونفسية. أما الكتاب الثاني فهو كتاب مشهور يشتمل على شذرات أخلاقية تعد من أروع ما كتب في الأدب الرواقي.

كان لإبيكتيتوس تأثير كبير في الفلاسفة اللاحقين، فقد اقتبس ماركوس أوريليوس الكثير من شذراته في كتابه التأملات، وأثنى عليه القديس أوغسطين، كما أن الفيلسوف باسكال فقد كان يرى أن شذرات إبيكتيتوس الأخلاقية هي أجمل ما يمكن قراءته.

فلسفة إبيكتيتوس

أهم ما خلفه لنا الفيلسوف إبيكتيتوس هو تميزه بين الأمور التي لنا قدرة على التحكم فيها وتلك التي لا يد لنا فيها، فالأولى تخضع لإرادتنا والثانية خارجة عن إرادتنا. فماهي تلك الأمور التي تدخل في خانة ما لا يد لنا فيه؟

إنها المال، الجسد، الصحة، المنصب، المكانة، فهي أمور لا تخضع لنا ولا يمكننا السيطرة عليها. وبالمقابل يمكن للإنسان أن يتحكم في إدراكه وأفكاره ورغباته فهي أمور خاضعة لإرادتنا. وبالتالي فعلى الفيلسوف الرواقي أن يفحص الأمور ويرى إن كانت تدخل في الخانة الأولى أم الثانية. فإن كانت من النوع الذي لا يمكننا السيطرة عليه، فلا يجب أن نهتم بها ولا أن نعيرها وزنًا.فلماذا ننفعل ونضطرب لأشياء لا دخل لنا فيها ولا سبيل لردها؟ لماذا نحزن بسبب الموت، المرض أو حتى لفقدان شخص ما؟ يحدثنا إبكتيتوس عن الموت قائلا أن الأشياء في ذاتها لا تُحزنُ الناس، ولكن نظرتهم لهذه الأشياء هي السبب في ذلك. الموت مثلا ليس مرعبا.. ولكن نظرتنا للموت هي التي تجلعه مرعبا، وبالتالي فعلينا أن نغير من طريقتنا في النظر إلى الأشياء، يجب أن نقف موقف الحياد من هذه الأمور فلا نلوم أنفسنا ولا غيرنا على حدوثها ونتقبلها بصدر رحب.

قصة تجسد فلسفة إبيكتيتوس
يحكى أن سيد إبيكتيتوس قرر أن يستمتع ذات بطريقة غريبة، فأخذ في لي ساق عبده بآلة للتعذيب، فكان إبيكتيتوس يقول " إنك ستكسر رجلي يا سيدي". لكن إبافروديت لم يتوقف واستمر فيما كان فيه، ولكن إبيكتيتوس تحمل الأمر بصبر دون أن يبدي أي اضطراب حتى كُسرت ساقه. وحينها حدث سيدَه قائلا: "ألم أقل لك يا سيدي أنك ستكسرها؟ !".

إن إبيكتيتوس، والرواقية بشكل عام، تؤكد على دفع الرغبات والانفعالات الداخلية ولكنها قبل كل شيء فلسفة للحرية الداخلية والإرادة. فالمشكلة لا تكمن في العالم الخارجي وإنما في عالمنا الداخلي الذي يجب أن نروضه على تقبل القدر واستقباله دون جزع.


فخلاصنا بأيدينا، فمهما كان الظروف التي نجد أنفسنا فيها يجب أن نحافظ على ذلك الهدوء وتلك السكينة الداخلية لأننا نعلم انه مهما فعلنا فلا سبيل لتغيير ما يحدث مادام خاضعًا لقوى خارجية. وعليه فالطريق نحو السعادة يبدأ من تصحيح تصوراتنا حول العالم وطريقة تعاملنا مع الأحداث. يذكرنا هذا الموضوع بحديث الرسول محمد (ص): "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ".

إعادة النظر إلى العالم من زاوية جديدة، التحكم في الخوف والرغبات: نتعرف في هذه الأشياء على مبادئ تدَرّس اليوم في علاجات سلوكية وإدركية ( لمقاومة أنواع الخوف والإنهيارات العصبية والشره المرضي إلخ) ومن ثمة فإبيكتيتوس كاتب معَاصر مازال يتحدث إلينا اليوم.


"تذَكر هذا: إذا كنت تعتقد أنّك ستخضع لإرادتك كل ما يتعلق بالغير (...) فإنك ستحس نفسَك معاقًا، وستتحسر وتكون روحك قلقَة وستهاجم الآلهة والناس. لكن إذا فكرت في أنّه لا يتعلق بك إلا ما تتصرف به أنت (...) فإنك لن تحس أبدًا بأنك مضطر إلى التصرف، وغير مقيّد إطلاقا في عملك، لن تتهم أحدا ولن تقوم بأية حركة أبدًا خارج نطاق إرادتك".


إبيكتيتوس الفيلسوف الرواقي



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقا